أعمال الشغب والهجوم علي السفارات والمصالح الدانمركية والأوروبية التي عمت العالم الإسلامي، ليس سببها الوحيد هو الرسوم الكاريكاتورية الغبية للرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) والتي قامت بنشرها صحيفة دانمركية مغمورة؛ فردود الفعل القوية والغاضبة في الشارعين العربي والإسلامي نابعة أيضاً من الشعور السائد بالاستياء والغضب داخل المجتمع الإسلامي، لاسيما في الشرق الأوسط، وذلك جراء الاستغلال الأجنبي والتخلف والفقر وغياب التنمية. أما الرسوم الكاريكاتورية، فلم تكن سوي الشرارة التي فجرت الغضب المحتقن؛ فهيمنة إسرائيل علي الفلسطينيين، وظهور تنظيم ''القاعدة''، ثم هجماته المأساوية علي الولاياتالمتحدة، و''الحرب علي الإرهاب'' التي تلت ذلك، والغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق واحتلالهما، والتهديدات الغربية الأخيرة بالهجوم علي إيران، كلها عوامل أضيفت إلي تضافر قوي سياسية-نفسية ودينية انفجرت، أو تم تفجيرها، واستغلالها من قبل البعض سراً. هل يتعلق الأمر بصراع حضارات؟ أجل بكل تأكيد. وهل تطور الأمر إلي حرب بين الحضارات؟ كلا، فأعمال الشغب في الشارع لا تؤدي إلي الحرب، تماماً كما لا تؤدي الهجمات الإرهابية في البلدان الغربية إلي الحرب. صحيح أن حرباً حقيقية تدور رحاها الآن في العراق، وربما تُستأنف الحرب في أفغانستان، ولكنهما حربان تجمعان المسلمين من أجل السيطرة علي العراق وأفغانستان، فالأمريكيون سيرحلون في الأخير. كما أنهما حربان وطنيتان ترميان إلي إرغام الأمريكيين علي الرحيل عاجلاً وليس آجلاً. أما في العالم الغربي، فيمكن ملاحظة ردود الفعل التالية إزاء ما جري: أولاً، الهجوم المضاد الأوروبي ضد ازدواجية معايير المجتمع الإسلامي حيث لا يسمح في بعضها ببناء الكنائس، وانتشار مشاعر معاداة السامية، والقمع الديكتاتوري للآراء المعارضة، وغيرها. ثانياً، الدفاع الغربي القوي عن حرية التعبير، كما لو أن حرية الصحف الغربية كانت في خطر. وهو ما قد يكون صحيحاً في بعض الحالات، حين تحاول بعض الأقليات المسلمة في أوروبا منع الصحف من نشر مواد تتضمن انتقاداً للإسلام، كما تفعل أقليات أخري في حالات مماثلة. مما لاشك فيه أن كل تلك العوامل تسببت في تأجيج مشاعر كراهية الغرب التي انتشرت اليوم في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا. والحال أن الكراهية تولد الكراهية، وتقوي الأحكام الجاهزة والخوف الفطري من الآخر، فاليوم كذلك بات الغضب وكراهية المسلمين في أوروبا والولاياتالمتحدة أمراً ملموساً. ويبدو أن ظلاماً أخلاقياً قد سقط علي طرفي الاصطدام. تريبيون ميديا سيرفيس