كشف الرئيس محمد مرسى فى لقائه مع أفراد الجالية المصرية فى أثيوبيا أثناء زيارته الأخيرة لأديس أبابا لحضور القمة الأفريقية عن تخوف حقيقى من حركة تمرد الشبابية التى تسعى لجمع توقيعات لإزاحة الرئيس عن الحكم.كان الرئيس فى حواره مع المصريين تلقائياً وعفوياً وأعلن نصاً "زى الناس ما بيقولوا أنا نجحت بالعافية ب52%، لكن أنا على مسئولية كرئيس ... ما ينفعش يجئ مجموعة بشوية توقيعات ويقولوا لى مع السلامة، وبعدين يجئ رئيس تانى يقولوا له مع السلامة". هذا الكلام الخطير أدلى به الرئيس مرسى لأول مرة .. ومدلوله يختلف كليه عما كان يقوله هو وحزبه وجماعته وأنصاره من قبل بأنه "رئيس مدنى منتخب" ولابد "من احترام الصندوق" وأن المعارضين يسعون إلى "إفشال المشروع الإسلامى" ... وإنه ينبغى إبعاد الرئيس عن هذا الهراء الذى لا يستحق أن يعلق عليه بنفسه أو يذكره فى إحدى خطبه..لكن كلام الرئيس أخيراً فى أثيوبيا يفصح عن أنه تحت ضغط قوى وجارف وعنيد. الأخوان والحرية والعدالة ومكتب الأرشاد تغيرت استراتيجيتهم عن ذى قبل وانتقلوا من الهجوم إلى الدفاع.ف"تمرد" رغم أنها حملة شبابية لا يتعدى عمر أكبرهم 25 عاماً إلا أنها بدأت تنتشر بشكل سريع وعميق فى كل طبقات المجتمع المصرى .. لم تنتشر فقط ولكنها تمكنت من النفاذ إلى مكتب الارشاد فى المقطم ومقر حزب "الحرية والعدالة". الواضح أن "الأخوان" الآن لا يملكون "رداً" جاهزاً وسريعاً على الشباب الذين يجمعون التوقيعات .. السلطة الحاكمة وجله وخائفة وتعيش فى "ترقب" تنتظر ما يأتى به الغد ... لم تعد تمتلك "الفعل" ولا "حتى رد الفعل" ... ولكنها تدريجياً تنتقل إلى مرحلة الترقب والانتظار ... "الترقب" هى الكلمة الأكثر ملائمة فى وصف حالة "الجماعة" الآن. الأخوان الذين كانوا يفتخرون بأنهم الأكثر تنظيماً وسيطرة على الشارع السياسى، باتوا اليوم عاجزين عن مواجهة طوفان "تمرد" الشبابى ... الأغرب أنهم شكلوا جماعات للدفاع عن الرئيس مرسى وحزبه وجماعته مثل "تجرد" و "مؤيد" لكن هذه الجماعات فشلت فى صد الهجوم القوى والسريع الذى تشنه حركة "تمرد" على كافة المستويات. كل ذى عينين وكل صاحب بصيرة يعرف أن تغييرا "إخوانياً" طرأ على التعامل مع "تمرد" ... والأدلة واضحة: شعور متنام بجدية الحملة، خوف طبيعي من تزايد شعبية التوقيعات ونبرات سحب الثقة من الرئيس، وطبعاً لا يريد "الأخوان" أن يتورطوا فى نفس الخطأ الذى وقع فيه نظام مبارك السابق عندما قلل من شأن شويه العيال الداعين إلى العصيان المدنى واستهتر بهم، لتنفجر ثورة يناير لتطيح بنظام استمر 30 عاماً، فمبالك بمن لم يكمل العام الأول من حكمه. المفروض أن تكون ثورة يناير "عبرة" للأخوان ولاتباعهم وأنصارهم والبديهى أن يترسخ فى عقلهم الباطن "خبرة" واقعية ودروس من الشعب إذا غضب وفقد الأمل واعتصره اليأس.وعلى الرغم من اختلاف أنصار "تمرد" أنفسهم فى شأن ما إذا كان الغرض من الحملة هو "خروج آمن" للرئيس أثناء توديعه أو مجرد اقناعه بالحجة والبرهان بأن الشارع ينضح بالمعارضة والاحتجاج عليه وعلى حكومته، وانه – أى الشارع – لا يعج بمحبي الأخوان وحلفائهم فقط ... ولكنهم متفقون على الضغط حتى النهاية. أن شباب حركة "تمرد" يمرقون إلى كل شارع وحارة ومقهى وكافتيريا ووزارة فى مصر .. والسهولة التى "يمرقون" أو "ينفذون" بها غلى كل مجتمع – مهما اختلفت نوعيته – توضح كمية السخط التى يتفجر بها المصريون ازاء الأخوان ... فهناك من يوقع وهو واقف فى طابور الوقود منذ أكثر من ثلاث ساعات وهناك من يستجيب للتوقيع بعد أن لفحته الشمس انتظاراً لأوتوبيس لم يأت بعد ... ومنهم من يوقع فى ميكروباص من "الميكروباصات" المنتشرة فى ارجاء القاهرة ويجئ التوقيع مع مزاح من السائق بأن من يرفض التوقيع عليه أن ينزل فوراً دون انتظار لتوصيله إلى محطته .. وهناك من يوقع على المقاهى وهو يتفرج على مباراة كرة قدم أو يلعب "عشرة طاولة" ... الجميع يوقع ... والكل ناقم وغاضب. المعنى الذى أقصده أن التوقيع يجئ فورى وعفوى وغير انتقائى وبقدر كبير من سرعة التلبية وهو ما يعنى انعكاساً لحالة الاحباط التى تسيطر على المصريين. وتسألنى عن السبب فى الاجتياح السريع ل "تمرد" فأقول لك أن الرئيس الذى طالب الناس بنقده وتقويمه بل وتعهد بالمغادرة إذا عجز عن تحقيق أهداف الثورة، إذا به يضيق بالنقد ويطيح بالمعارضين ويسعى لأخونة القضاء والأعلام ومنع التظاهر ناهيك عن وعده بنهضة لم يتحقق منها شئ حتى الآن. عموماً سيبقى الوضع على ما هو عليه حتى يجئ يوم 30 يونيو القادم وهو الموعد الذى ستحاصر فيه حركة "تمرد" ومؤيدوها قصر الاتحادية ... سيكون يوماً فارقاً وحاسماً فى تاريخ مصر ... فإذا مر دون صخب وحشد وضجة وضغوط جماهيرية فإن الرئيس سيعرف أن المعارضة قد هزمت وسيمثل بجثتها أمام المحاكم والنيابات!. وسيعتقد حزب الحرية والعدالة أن الطريق صار ممهداً أمامه ليسير بمصر فى الاتجاه الذى اختاره لنا ويحقق الأخوان نصراً مرحلياً قبل الانتخابات البرلمانية ... أما إذا تحولت "تمرد" من مجرد حركة تجمع توقيعات المواطنين إلى تيار هادر فى الشوارع والميادين يرفع رايات العصيان فى وجه الرئيس وحزبه وجماعته، فإن المعارضة أو كل القوى غير المنتمية إلى تيار الاسلام السياسى، ستكون قد حققت نصراً معنوياً يساعدها فى الانتخابات. لكنه لن يكون كافياً، لأنها – أى المعارضة – ستكون عندئذ مطالبة بطرح البديل لمرسى والأخوان، وإلا فأنها ستقع فى الخطأ نفسه الذى وقع فيه الاسلاميون عندما نجحوا مع القوى الأخرى فى اسقاط مبارك ثم فشلوا فى ممارسة عملية الحكم نفسها. وبدون فلسفة فإن 30 يونيو سيحمل سيناريوهين لا ثالث لهما إما أن تنجح المعارضة و "تمرد" فى إجبار الحكم على تقديم تنازلات حقيقية أو الرحيل، أو أن ينجح الأخوان فى أن يمر اليوم بتظاهراته واحتجاجاته مثلما مر غيره، وبالتالى لن تنجح جهود اسقاط الرئيس أو حتى الضغط عليه ... ساعتها سيكرر الأخوان مقولتهم الدائمة التى يرددونها عقب كل مظاهرة أو احتجاج وهى "أن مصر ستنهض رغم أنف كل المؤامرات أو التحركات التى تهدف لاسقاطها" ... وهكذا – إذا خرج الأخوان من مأزق "تمرد" و 30 يونيو – ستعود نغمة العمالة والخيانة والمؤامرات الخارجية وغير ذلك. وفى النهاية يهمنى العودة إلى المواطن المصرى "حمال الأسية" الذى ذاق الأمرين فى ظل نظامين تخلص من أحدهما ودفع الثمن غالياً بقدوم الأخوان للحكم، وهو ما يجعله يسأل نفسه ما الذى سيجلبه "نظام ثالث" لنا؟ ليس سراً أن فئة واسعة من الشعب أيقنت أن أطراف اللعبة السياسية سواء فى الحكم أو المعارضة قد حققوا فوائد باسقاط مبارك دون بناء نظام حكم ديمقراطى حقيقى يحفظ حقوق المواطنين وينفذ السياسات التى تكفل لهم حياة أفضل من التى عاشوها فى ظل النظام الذى اسقطته ثورة يناير، وتحاول حركة "تمرد" وقوى المعارضة اسقاطه الآن دون أن يقدموا البديل. هذا ببساطة الذى يخشاه المواطن البسيط فاما أن تنجح المعارضة وتنقلب على نفسها وتشتد صراعاتها الداخلية كما حدث بعد إسقاط مبارك، وإما ينجح الأخوان فيفهموا أن هذا تفويضاً من المصريين ليزدادوا فى القمع "وأخونه" المؤسسات والدولة وفرض قوانين الجباية ورفع الدعم عن السلع والغلاء، وربما يكون هناك ما هو اسوأ بكثير ... وهكذا تظل مصر – بعد ثورة يناير – تنتظر ما يأتى به الغد الذى يكون كارثيا فى معظم الأحوال.