انقسم مسمى مجموعة جزر الفوكلاند الواقعة في المحيط الأطلنطي بين الأرجنتين وبريطانيا، فعرفتها الأولى ببلاس مالفيناس والثانية بالفوكلاند. وفي تنازع جديد بين الدولتين، اتهمت الرئيسة الأرجنتينية مؤخراً، المملكة المتحدة بالاستيلاء على هذه الجزر في عام 1933 من خلال اتباع النهج الاستعماري للإمبراطورية البريطانية في القرن الماضي، ما أدى إلى نشوب حرب بين الدولتين في أبريل 1982 على هذه الجزر.
وعلى الرغم من استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1990 وتوقيعهما لاتفاقيات في مجال الصيد، والتنقيب عن النفط، سرعان ما عاد النزاع على السيادة في جزر الفوكلاند إلى الواجهة قبل عام من وقتنا هذا، وارتفعت معه حدة الأزمة بين لندن وبوينس آيرس. أزمة جديدة وأعلنت الأرجنتين عن محاولة بريطانيا التهرب من "واقعها الاقتصادي السيئ" وتحويل أنظار مواطنيها عن مشاكلهم المتمثلة بالبطالة وغيرها عن طريق خلق الأزمات حول جزر الفوكلاند المتنازع عليها.
فيما تقدم وزير الخارجية الأرجنتيني هكتور تيمرمان Hector Timerman بشكوى رسمية في الأممالمتحدة ضد بريطانيا تتهمها بعسكرة جزر فوكلاند ونشر غواصات نووية هناك.
وأعلن عن تدعيم بابا الفاتيكان الجديد فرنسيس الأول (خورخيه برغوليو) مطالب الأرجنتين بتبعية جزر الفوكلاند لها، بناءً على طلب من رئيسة الأرجنتين للتدخل في هذه المسألة.
وفي المقابل، عبر رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" عن موقف لندن قائلاً: "إن مستقبل جزر الفوكلاند يجب أن يحدد من طرف سكان هذه الجزر الذين أبدوا رغبتهم في أن يظلوا تابعين لبريطانيا عبر استفتاء لتقرير المصير، ويجب أن تحترم الأرجنتين نتائجه واختيار سكان هذه الجزر حول تقرير مصيرهم".
وبينما دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الطرفين إلى التهدئة، وصف المندوب البريطاني في المنظمة الدولية مارك لايال غرانت، الشكوى الأرجنتينية بأنها "سخيفة"، رافضاً التعليق على نشر أسلحة نووية هناك.
شماعة للأزمات ووجه الجانب الأرجنتيني الاتهام للآخر البريطاني بمحاولة خلق "شماعة للأزمات" وتحويل الأنظار عن المشاكل الداخلية المتمثلة بالبطالة وغيرها عن طريق افتعال الأزمات حول جزر الفوكلاند المتنازع عليها.
وقال نائب الرئيس الأرجنتيني "أمادو بودو": "إن هذه التحركات لها علاقة بالسياسة الداخلية في بريطانيا التي تشهد نسب بطالة مرتفعة، إنها محاولة من الحكومة البريطانية ذات الإنجازات القليلة لإخفاء فشلها".
وتابع المحللون السياسيون أن فرنانديز تحاول السير على نفس خطى نظيرتها الإنجليزية السابقة "مارجريت تاتشر" في استغلال الأزمة من الناحية السياسية لتكسب تعاطف الرأي العام في محاولة لإظهار سيطرتها على الأمور خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بعد أن تدهورت شعبيتها بشدة بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعصف بالبلاد، بالإضافة إلى ربط اسمها وعائلتها مؤخراً بعدد من الفضائح المالية. وأوضح روزندو فراجا، محلل سياسي أرجنتيني، أن أزمة فوكلاند جاءت للرئيسة الأرجنتينية بمثابة "طوق نجاة" بعد احتمال حصولها على البترول من الجزر لحل أزمات قد تكلفها مستقبلها السياسي. خيار أم سيناريو وعند المحاولة لوضع السيناريوهات المختلفة التي يقتضيها الواقع الحالي، تبدو وكأنها صعبة للغاية في ظل إعلان الولاياتالمتحدة لحيادها بخصوص هذا التنازع نظراً لودها وصداقاتها المزدوجة للطرفين البريطاني والأرجنتيني، فضلاً عن تأزم الموقف الأرجنتيني بعد وفاة الحليف الإستراتيجي الفنزويلي لها "هوجو تشافيز".
بيد أنه يمكن المحاولة لاستشراف المستقبل في تطور العلاقات بين البلدين من خلال وضع عدة سيناريوهات، أولها دخول الطرفين في مفاوضات ثنائية بوساطة أمريكية، ويدعم هذا الاتجاه الدعوة الأرجنتينية الأخيرة للتفاوض مكثفة جهودها الدبلوماسية للتفاوض حول استعادة الجزر مستبعدة الخيار العسكري هذه المرة، حيث قالت سفيرة الأرجنتين في لندن "اليشيا كاسترو" إنه لا نية لدى بلادها بالقيام بحرب جديدة مع بريطانيا لاسترجاع جزر "فوكلاند".
أما الخيار الثاني فيرجح تجدد أزمة جديدة في جزر الفوكلاند، خاصة بعد استعراض القوة من قبل دول أمريكا اللاتينية التي قامت بإرسال مذكرة رسمية للأمم المتحدة للبت في شأن هذا النزاع وتحديد لمن تكون أحقية الجزر، وانتقد لولا دي سيلفا رئيس البرازيل الموقف البريطاني وطالب الأممالمتحدة بالتدخل لإعادة الجزر، بينما انتقد الرئيس الراحل "هوجو تشافيز" ما وصفه بالتهديدات البريطانية، مشيراً إلى أن الأوضاع تغيرت عن عام 1982، وفي حالة تعرض الأرجنتين إلى هجوم جديد لن تبقى وحيدة هذه المرة".
ويزيد من احتمالية وقوع هذا السيناريو الاستنكار البريطاني للموقف الأرجنتيني الرافض للاستفتاء الأخير لسكان الجزر الذين أبدوا رغبتهم في البقاء تحت تبعية التاج البريطاني، فضلاً عن التصعيد العسكري الإنجليزي المتواتر الذي انتهى بإرسال لندن لمدمرتها من الطراز “اش أم أس داونتر” إلى الفوكلاند.. فهل نكون على أعتاب نزاع جديد؟