اليسار يحارب واليمين يصنع السلام ..هذه المقولة الشائعة في الأوساط الإسرائيلية دائما ما تطرح عند تشكيل أية حكومة إسرائيلية إما يمينية أو يسارية، لكن الوضع سيكون مختلفا مع الحكومة المقرر تشكيلها في إسرائيل هذه الأيام عقب ظهور نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي أجريت الثلاثاء الماضي، إذ أن نتائج الانتخابات تشير إلى صعوبة أن يستأثر تيار سياسي يميني أو يساري بتشكيل الحكومة القادمة وحده. نتائج مفاجئة وأشارت النتائج النهائية للانتخابات إلى أن كتل اليمين المختلفة لاسيما كتلة (الليكود - بيتنا)" يمين قومي" لم تحصل على الأغلبية المريحة لتشكيل الحكومة( 31 مقعدا فقط)، في حين أن كتل اليسار تراوحت نتائجها بين المفاجئة (19 مقعدا لحزب هناك مستقبل) والجيدة (حزب العمل 15 مقعدا)، في حين احتفظت الكتل اليمينية الدينية بنفس قوتها الانتخابية التي تحصل عليها في أي انتخابات ( شاس 11 مقعدا، والبيت اليهودي 11 مقعدا).
وفي نفس الوقت الذي حصلت فيه الأحزاب الصغيرة وضعيفة القوة على نفس عدد المقاعد التي اعتادت الحصول عليها أيضا، فالاحزاب العربية ( يسار) حصلت مجتمعة على 12 مقعدا، في حين حصل حزب الحركة ( يمين وسط قومي) بزعامة تسيبي ليفني على 6 مقاعد، وميريتس ( يسار) على 6 مقاعد.
وبقراءة هذه النتائج يتضح أن قوى اليسار الاسرائيلي حققت نتائج يمكن من خلالها أن تتعادل في قوتها البرلمانية مع قوى اليمين، تلك القوى ( أي قوى اليمين) التي ضعفت بعض الشيء لكن هذا الضعف لا يعني انها لن تكون قادرة على تشكيل حكومة من خلال ائتلافات برلمانية، فنتنياهو الذي يقف على رأس قائمة (الليكود - بيتنا) الانتخابية سيكون الأقدر على الارجح لتشكيل الحكومة .
ويأتى ذلك نظرا لما يحظى به من تأييد فى الأوساط اليمينية التي تحقق مجتمعة ما يفوق أكثر من 60 مقعدا في الكنيست( مجموع مقاعده 120 قعدا) بشكل يمكنها من تشكيل ائتلاف حكومي، وهو عدد المقاعد الذى يصعب على اليسار المشتت والمفكك تحقيقيه، رغم نتائجه الجيدة في هذه الانتخابات.
ومع ذلك، فان هذه النتائج ستجعل من قوى اليسار شريكا مهما وأساسيا فى أى ائتلاف حكومى قادم يقوده بنيامين نتنياهو لاسيما حزب (هناك مستقبل) بزعامة الصحفي يائير لابيد الذي حقق مفاجئة قوية بتحقيقه 19 مقعدا في الكنيست، وهذا ما عبر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بالقول إن حكومة نتنياهو القادمة لا يمكنها أن تذهب يمينا جدا وستكون متكئة على اليسار بشكل قوى حتى لا تكون هشة وتسقط سريعا.
الاشتراك في الحكومة من ناحية أخرى، فإن هناك عددا من القوى اليمينية التي ستكون حريصة على الاشتراك في حكومة بقيادة بنيامين نتنياهو، فعلى سبيل لمثال حزب شاس ( 11 مقعدا) سيكون شريكا أساسيا بها ويعود ذلك لعدة أسباب على رأسها أن هذا الحزب وغيره من الاحزاب المنتمية للتيار الديني المتزمت (الحريديم، الحسيديم) تشارك في الحكومات اليمينية الإسرائيلية بهدف الحصول على مزايا قانونية ومالية فقط تتمثل فى الحصول على دعم مالي لمدارس المتدينيين وتمرير قوانين لتحسين أوضاع المجتمعات الدينية اليهودية في إسرائيل، ولا تشارك بهدف تحقيق مكاسب سياسية تتعلق بالسياسيات الخارجية أو الأمنية لإسرائيل.
وفيما يتعلق بحزب البيت اليهودى (11 مقعدا) بقيادة نفتالي بينيت الذي حقق مفاجأة هو الآخر لكن سلبية بحصوله على عدد مقاعد أدنى بكثير من المتوقع، فقد أكد أنه سيشارك في حكومة نتنياهو، وهو ما يشير لمحاولته الحصول على حقيبة وزارية يحاول من خلالها الترويج داخليا لحزبه.
فقد اشار زعيم الحزب بينيت إلى أنه ينوي بناء إسرائيل جديدة ليست في جيب اليسار أو جيب اليمين.
الأوفر حظاً من خلال ما سبق يتضح أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو زعيم قائمة ( الليكود - بيتنا) سيكون الأوفر حظا في تكليفه من قبل رئيس الدولة ( شمعون بيريس) بتشكيل الحكومة القادمة، فرغم عدم تحقيقه اغلبية لازمة لذلك فى الانتخابات إلا أنه يتمتع بتأييد قوى يمينية توفر له هذه الأغلبية، لكنه في نفس الوقت سيقع في معضلة ضرورة الاستعانة بقوى يسارية كبيرة ومتنوعة للدخول في ائتلافه الحكومي المزمع.
وبالتالي، فان نتنياهو في حال تكليفه بتشكيل الحكومة سيكون أمام معضلة حقيقية؛ إذ سيكون مجبرا على تشكيل حكومة تجميع بين أقصى اليمين ( الليكود، إسرائيل بيتنا، شاس، البيت اليهودي) وأقصى اليسار (هناك مستقبل،العمل، ميرتس)، ويمين الوسط( الحركة، كاديما).
ويبدو أن نتنياهو مدرك لهذه المسألة فقد صرح اليوم بالقول "إنه سيكون ملتزما بتشكيل "أوسع حكومة" ممكنة في تاريخ إسرائيل.
ومع ذلك، فإن هناك بعض التوقعات بأن أية حكومة مقبلة لنتنياهو ستكون قصيرة الأجل بشكل كبير، إذ كيف يمكنه قيادة ائتلاف حكومي متناقض في تشكيله ويجمع بين أحزاب متعارضه في أفكارها وبرامجها وايديولوجيتها حول سياسات ومواقف مصيرية لاسميا فيما يتعلق بالقضية الفلسيطينية.
فأحزاب اليمين تتشدد في مواقفها الداعية لعدم استنئاف المفاوضات مع الفلسطينين والانطلاق في مشاريع التوسع الاستيطاني، أما احزاب اليسار لاسيما العمل فتضع برنامجا محددا للتفاوض مع الفلسطينيين، يكون محدودا ببرنامج زمني يقدر بعامين فقط.
من خلال كل ما سبق، يمكن القول إن نتنياهو سيشكل حكومة ومعالم الخريطة ستكون واضحة أمامه بضرورة ضم الكتل اليمينية الحليفة له منذ فترة (إسرائيل بيتنا،البيت اليهودي، شاس) إلى حكومته، مع ضرورة الاستعانة كذلك بالقوى اليسارية (هناك مستقبل، العمل) التي حققت نتائج جيدة للغاية، لكن المعضلة الحقيقة ستكون في محافظة نتنياهو على هذا الائتلاف الذى من الممكن أن ينفرط عقده في اية لحظة نتيجة الخلاف حول قضايا وبرامج سياسية حساسة.