عرض دكتور علي الدين هلال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إلى مشروع النهضة عند المفكر أنور عبدالملك، قائلاً أنه يستند إلى دور الجيش في السياسة، ولفت هلال إلى أن وجود الجيش وتغلغله في الحياة السياسية أمر محمود عند عبدالملك ولا يجب الاعتذار عنه. واستشهد هلال بما أورده المفكر الفيلسوف في كتاباته واستشهاداته بجيوش أوروبا ودورها في بناء النهضة، خاصة وأن الجيش المصري ليس وليد الطبقة الارستقراطية بل هو جيش يمثل كافة الطبقات، حتى أن المفكر الراحل كتب في مقال له بعد الثورة وبالتحديد يوم 8 مارس 2011 في "الأهرام" تعليقاً على شعار "الجيش والشعب ايد واحدة"، أن قاعدة بناء مصر هم الشباب المصري يداً بيد مع جيش الوطن، فالتأكيد على دور الجيش في الحياة السياسية كانت فكرة رئيسية في كتابات عبدالملك.
جاء ذلك خلال احتفالية المجلس الأعلى للثقافة اليوم بانور عبدالملك، وتخصيص يوم كامل عنه بعنوان "لمسة وفاء"، واستعرض هلال استشرافات المفكر الراحل للمستقبل فقد كان رائداً، لفت إلى أمور كثيرة وحذر من التغاضي عنها قبل ان تظهر في الأفق، فقد أكد في كتاباته على ضرورة أن نقبل اختلافاتنا السياسية وأن يقبل كل منا الآخر في إطار الإخوة في الوطن، وحذر من التفتيت بين اليمسن واليسار، بين الفكر السلاح، بين العلمانيين والأصوليين.
كذلك تحدث عن ضرورة ألا تنحصر الديمقراطية في الشكل والإجراءات فقط، ففي مقال له في مجلة "الهلال" عام 1995 قال عن الديمقراية أنها ليست فقط صندوق اقتراع وانتخابات، لكن تقييم الديمقراطية ينبع من السياسات التي يفرزها النظام هل تخدم قطاع عريض ام يستفيد بها شريحة معينة من المجتمع.
وانتقد تصدير الغرب لمجتمعات الشرق بعض المفاهيم الخاطئة منها أن تدخل الجيش في السياسة ينتج عنه طغيان، أو أن تدخل الدين في الحكم ينتج عنه طغيان، وهي مفاهيم يؤكد عبدالملك انها غير صحيحة، وعلّق هلال قائلاً ان عبدالملك يقصد بالطبع الفهم الصحيح للدين بمعنى الإحياء الحضاري للجذور وليس التمسك بالأفكار الرجعية التي لا تناسب العصر.
وأكد هلال على تفرد المفكر الراحل فقد كان أول من كتب في نقد الاستشراق واعتبره من مظاهر الإمبريالية، كذلك كان من اوائل الذين تحدثوا عن قوة الصين واليابان قبل صعود نجم دولة الصين، حيث تحدث عن انتقال مركز الثقل الحضاري من اوروبا إلى الشرق متمثل في الصين.
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن الفكرة الحاكمة في كتابات عبدالملك هي مشروع النهضة، الذي يعتبره ليس مشروعاً ثقافياً او فكرياً فحسب، لكن جوهر النهضة الحقيقي هوو الجمع بين الفكر والسلاح، الثقافة والقوة، الأفكار والجيوش لأن تاريخ المم كما يؤكد لا يبنى على تغيرات ثقافية فقط.
ولفت هلال إلى ان مشروع الهضة عند المفكر الراحل يبدأ بالدولة التي هي أداة الهضة وسبيلها، والدولة التي يعنيها هي الدولة المركزية القوية ذات المشروع الحضاري المستقبلي، والنموذجان اللذان اعجب بهما الراحل واتخذهما مثالاً للدولة القوية هما دولة محمد علي، ودولة عبدالناصر.
يذكر أن أنور عبدالملك كان مهتما بهموم وطنه وخاصة السياسية والاجتماعية منها، علاوة على تأكيده على أهمية الخصوصية والهوية والانتماء لتماسك الأمة العربية والإسلامية، مع رفضه لدعاوى العولمة والانفتاح على الغرب من أجل التحديث واللحاق بالركب الحضاري، ودعوته إلى الانفتاح على الشرق.
يعد الراحل من أبرز المفكرين المصريين والعرب في العقود الأخيرة، ولد بالقاهرة في أكتوبر 1924، ودرس الفلسفة في جامعة عين شمس، ثم نال الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون بباريس، وعمل في المركز القومي للبحوث بمصر. كما كان محاضرا زائرا في عدة جامعات عربية وأجنبية إضافة إلى عضويته في عدة هيئات وجمعيات علمية وأكاديمية عربية ودولية. مواد متعلقة: 1. مصر : بدء التحقيق مع علي الدين هلال بشأن تضخم ثروته 2. مصر : منع علي الدين هلال وزوجته ونجله من السفر 3. الليبرالية بين التوحش والتوازن / د. علي الدين هلال