القاهرة: أكد الدكتور طلعت عفيفي عميد كلية الدعوة الإسلامية السابق بجامعة الأزهر أن نفقة الزّوج على زوجته واجبة، مشيرًا إلى أنه مطالب شرعًا أن ينفق عليها في المأكل والمسكن والعلاج وسائر الاحتياجات الضرورية حتى لو كانت غنية. وقال الدكتور عفيفي: إن الزّوجة ليست مكلفة بالإنفاق على نفسها ولا على غيرها، مستدلاً بما جاء في السنة، أنّ رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، ما حق امرأتي عليّ؟ قال له : " تطعمها مما تُطعم، وتكسوها مما تكتس"، وأجمع العلماء على أن الزّوج يجب عليه أن ينفق على زوجته بالمعروف، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله : "استوصوا بالنساء خيرًا فإنما هن عندكم عوان" أي أسيرات ، قالوا: ولذلك أُمِرَ الرجل أن يقوم بالإنفاق على المرأة من أجل هذا. وأضاف الدكتور عفيفي، أن الإنفاق من باب القوامة؛ وذلك لقوله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) مشيرًا إلى أن الإنفاق يُوجب على الرجل إعسارًا أو يسارًا على حسب قدرته، وذلك لقوله تعالى( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا). ويتفق الدكتور عبد العزيز الفوزان، مع الرأي السابق، فيرى أنّ الرجل يجب عليه توفير كل ما تحتاج إليه زوجته، من طعام وكساء ودواء ومأوى وأدوات تنظيف ومتاع بيت، ونحو ذلك مما تحتاجه المرأة، وجرت به العادة وتعارف عليه الناس، مشيرًا إلى أن النفقة لازمة للزوج على كل حال سواء أكان موسرًا أو معسرًا، وسواء أكانت زوجته غنية أو فقيرة؛ لأن نفقته عليها من باب المعاوضة، فهي محبوسة عليه لمصلحته ومصلحة بيته وعياله، فتجب عليه نفقتها ولو كانت تملك الملايين. وأضاف أن الزوجة تجب لها النفقة مطلقًا، موسرة كانت أو معسرة؛ لأن وجوب تلك النفقة ليس لوجود الحاجة، وإنما على سبيل المعاوضة، فيستوي فيها المعسرة والموسرة، كالمهر.مستدلاً بما جاء في الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. وذلك لقوله تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء/34) فدلت الآية على وجوب نفقة الزوجة على زوجها، إلزامه بهذا الواجب . وبيّن، بحسب موقع "الفقه الإسلامي" ، أن من أسباب جعل القوامة له عليها لقوله تعالى: { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} مشيرا إلى أن هذه الآية قد جاءت في سياق أحكام الزوجات، والخطاب فيها للأزواج، أن ينفقوا على زوجاتهم بقدر استطاعتهم، والأمر للوجوب. وقال القرطبي في الآية: "أي: لينفق الزوج على زوجته، وعلى ولده الصغير على قدر وسعه، حتى يوسع عليهما إذا كان موسّعًا عليه. ومن كان فقيراً فعلى قدر ذلك" [1] وقال - عزَّ وجلَّ -: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} (سورة البقرة/233) فالضمير في قوله: {رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} (سورة البقرة/233) راجع إلى الوالدات المذكورات في أول الآية، فدلت الآية على أنه يجب على والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخلت هند بنت عتبة، امرأة أبي سفيان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يارسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني، ويكفي بنيّ، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليّ في ذلك من جناح ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذي من ماله بالمعروف، ما يكفيك ويكفي بنيك" متفق عليه . فهذا الحديث صريح في وجوب نفقة الزوجة على زوجها، وأن ذلك مقدر بكفايتها، ولو لم تكن نفقتها واجبة عليه، لم يأذن لها بالأخذ من ماله بغير إذنه. إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث، وهي كثيرة. وعلى ذلك أجمعت الأمة، قال ابن قدامة: "اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن، إذا كانوا بالغين، إلا الناشز منهن. ذكره ابن المنذر وغيره" [3] . ما يدل على ذلك: المعقول الصحيح، حيث إن المرأة محبوسة على زوجها، لمنفعته ورعاية حقه. فكانت نفقتها عليه، لأن نفع حبسها عائد إليه. فالنفقة جزاء الاحتباس، وكل من كان محبوسًا لمنفعة تعود إلى غيره، كانت نفقته عليه.وذلك كالوالي والقاضي والمفتي، والمضارب، والعامل على الصدقات، ونحوهم. ولهذا فلا يجوز للزوج الامتناع عن النفقة أو المماطلة فيها، موضحًا أنه قد بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم – إثم من يفعل ذلك، فقال: " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول" رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم والذهبي ورواه مسلم بلفظ "كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته" والمعنى: يكفيه من الإثم أن يضيع من يلزمه قوته من الزوجات والأقارب. ولم يكتف الإسلام بتحريم منع النفقة الواجبة، بل ألزم مانعها بدفعها لمستحقيها، ولو أدى ذلك إلى حبسه، أو أخذ النفقة من ماله كرهاً. فقد قال العلماء: إذا امتنع شخص من دفع النفقة الواجبة عليه، رُفع أمره إلى الحاكم، فيأمره بالإنفاق، ويجبره عليه، فإن أبى حَبَسه، وضربه، فإن لم يُجد ذلك معه، أخذ الحاكم النفقة من ماله ودفعها لمستحقها من الزوجات أو القرابات. وهذه قاعدة عامة في كل من امتنع من أداء حق واجب عليه، مع قدرته على أدائه، فإن كان الزوج فقيرًا عاجزًا عن النفقة، فيحق للزوجة رفع أمرها إلى القاضي لكي يفسخها منه.