فجر الباحث المصرى منير محمود الباحث بالصحف العبرية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية مفاجأة من العيار الثقيل ، حين أكد أن القرارات الانفعالية الغير مدروسة للعرب ساهمت فى نجاح المخطط الصهيونى فى فلسطين طيلة ما يقارب خمسين عاماً قبل قيام الدولة الصهيونية فنشأ ما يسمى "اليشوف اليهودى" ويعنى التجمع الاستيطانى لليهود فى فلسطين وقال الباحث خلال ندوة العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد ثورة 25 يناير التى انعقدت بساقية الصاوى مساء أمس، أن بداية الصراع العربى الإسرائيلى الذى انطلق مع قرار التقسيم ثم حرب 1948 وقيام الدولة الصهيونية لم يكن إلا الفصل الأخير فى المخطط الصهيونى الذى ولد بأوروبا وساعد على تنفيذه غياب كامل لأى كيان سيادى عربى كان يتحمل المسئولية السياسية أو الدينية أو الأدبية فى إدارة شئون فلسطين . مضيفا أن الأنظمة العربية التى كانت تعانى الاحتلال البريطانى تعاملت مع الأمر برعونة وعدم إدراك للعواقب مع تنامى الكيان الصهيونى وفقاً للمخطط الأوربى حتى تحول لأمر واقع له كيان سياسى واجتماعى قبل الإعلان عن قيام الدولة الصهيونية رسمياً فى مايو 1948 . وأضاف منير محمود أن العرب بعد أن أضاعوا كل الفرص لاستعادة الحقوق العربية بفلسطين يسعون الآن لدى الأممالمتحدة للاعتراف الكامل بإسرائيل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً مقابل عودتها لحدود ما قبل 1967 وهذا هو الحلم العربى بعد مرور كل هذا الزمن على قيام الكيان الصهيونى اليهود وسماحة الإسلام أشار الباحث محمد منير للقضية منذ بدايتها حيث تمتع يهود الشتات الذين عاشوا فى كنف الدولة الإسلامية بحياة هادئة ومستقرة ومارسوا شعائرهم الدينية وطقوسهم اليومية فى حرية كاملة دون اضطهاد من أنظمة الدول التى عاشوا وذابوا فى مجتمعاتها الإسلامية السمحة لمئات السنين وحتى العصر الحديث ولولا ظهور الحركة الصهيونية والأحداث التى وقعت لليهود فى أوروبا فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لما سمعنا عن رغبة أى طائفة من الطوائف اليهودية التى تعيش فى كنف الإسلام فى إنشاء وطن قومى لليهود فى أى مكان فى العالم الحركة الصهيونية على النقيض كان وضع اليهود فى أوروبا مشكلة تؤرق دولها ونشأ ما يسمى "المشكلة اليهودية" نتيجة النعرة القومية العرقية التى صاحبت الثورة الصناعية بأوروبا مما جعل المناخ السياسى الذى يعيش فيه اليهود فى الجيتوهات الخاصة بهم مناخاً مختلفاً للغاية مما أفرز فكرة الخلاص من هذه المجتمعات العنصرية من وجهة نظر اليهود الذين فقدوا حق المواطنة المتساوى مع المواطنين الأوربيين المسيحيين . وقد أفرز هذا المناخ الفكر الصهيونى فى أوربا الشرقية حينما أقام يهود روسيا فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر حركة شعبية باسم "محبة صهيون" من أجل بناء دولة يهودية فى فلسطين ثم انتشرت بين يهود سائر أوربا فيما عرف باسم "أحباء صهيون" . ومن رحم هذا المناخ ولدت الحركة الصهيونية فى أوروبا الغربية على يد مؤسسها بنيامين هرتسل مع بداية القرن العشرين والتى اتخذت شكلها السياسى عندما أسس هرتسل فى بازل بسويسرا عام 1905 المنظمة الصهيونية العالمية وهدفها تحقيق الحلم الصهيونى بإقامة كيان سياسى يهودى بفلسطين اليشوف اليهودى قبل الإعلان عن قيام الدولة الصهيونية عام 1948 بدأت موجات الهجرة الصهيونية الأولى لفلسطين عام 1982 مع انتشار فكرة محبة صهيون فى روسيا وأوربا وبدأ اليهود يبنون المستعمرات الزراعية المعروفة باسم "الكيبوتس" وقد كانت هذه المستعمرات النواة الأولى لنشر فكرة الكيان القومى لليهود وخلال النصف الأول من القرن العشرين زادت أعداد المستعمرات . وبدأت الهجرات اليهودية الصهيونية تبلور أشكالاً قومية لليهود الذين يعيشون فى فلسطين فى صورة إصدار صحف ومطبوعات بالعبرية وصك عملات بالعبرية للتعامل بها مع العملات الفلسطينية . ثم أطلقت الحركة الصهيونية على المجتمع اليهودى الذى يعيش فى فلسطين "اليشوف اليهودى" وأصبح هذا واقعاً يومياً فى حياة فلسطين العربية وبعد الحرب العالمية الأولى مما شجع زعماء الحركة الصهيونية بزعامة هرتسل ومن خلفه على الضغط وبشدة على الحكومة البريطانية لاستصدار وعد بلفور نوفمبر 1917 بأحقية اليهود فى إنشاء وطن قومى لهم فى فلسطين العرب وتنامى المخطط الصهيونى يؤكد الباحث أنه على مرأى ومسمع من العالم العربى استكمل البناء التنظيمى السياسى للتجمع الاستيطانى اليهودى وأنشأت العديد من المؤسسات الصهيونية التى نظمت فى داخلها الأغلبية الساحقة من المهاجرين والمستوطنين اليهود ففى عام 1920 أنشئت النقابة العامة للعمال اليهود"الهستدروت" والجهاز المالى الصهيونى "كيرن هيسود" المختص بالهجرة والاستيطان وبناء المستوطنات والمدن اليهودية وعلى المستوى العسكرى أسست "الهجاناه" وهى الجناح العسكرى للصهيونية وأصبحت هناك انشطة رياضية وفنية واجتماعية تدار باللغة العبرية وتبادلت الوفود الصهيونية بفلسطين الزيارات مع الدول العربية قبل قيام إسرائيل قرار التقسيم بناءاً على الواقع التى فرضته الحركة الصهيونية فى فلسطين فى ظل الغياب العربى التام فقد تبادرت فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية مع تحديد منطقة دولية حول القدس وفى 29 نوفمبر 1947 أصدرت الجمعية العامة التابعة لهيئة الأممالمتحدة قراراً أطلقت عليه اسم "خريطة تقسيم فلسطين" القرار رقم 181 ويقضى بإنهاء الانتداب البريطانى على فلسطين وتقسيم أراضيه إلى ثلاثة كيانات جديدة دولة عربية واخرى يهودية ومدينة القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية . وقد أعطى قرار التقسيم 56% من أرض فلسطين للدولة اليهودية شملت وسط الشريط البحرى من أشدود إلى حيفا ما عدا يافا تظل عربية وأغلبية صحراء النقب ما عدا بئر سبع تظل عربية وشريط على الحدود المصرية يظل عربياً واستند مشروع التقسيم على وجود تواجد لتكتلات يهودية "اليشوف اليهودى" الذى كان قائماً بالفعل مع إعطاء الكيان الصهيونى أرضاً صحراوية لاستيطانها أخطاء الأنظمة العربية أشاد الباحث بالدور المشرف الذى لعبه السلطان عبد الحميد سلطان الدولة العثمانية فى بداية القرن العشرين لصد جميع محاولات زعماء الحركة الصهيونية للسماح بهجرة اليهود بأعداد كبيرة إلى فلسطين حين قابله هرتسل عام 1901 وعرض عليه مساعدة الدولة العثمانية فى سداد ديونها إذا رحب السلطان عبد الحميد بهجرة يهود أوربا إلى فلسطين وفشلت كل المحاولات فاتجه هرتسل إلى بريطانيا . وانتقد الباحث بشدة صمت صمت الدول العربية المتاخمة لفلسطين طيلة ستين عاماً منذ بداية الهجرات اليهودية الأولى وعدم رصدها لحركة شراء اليهود للأراضى العربية خلال النصف الأول من القرن العشرين ، أو اتخاذ المواقف الرسمية للحد من أنشطة اليهود بفلسطين فى وقت دعمت فيه بريطانيا الأنشطة اليهودية بالأموال والدعم السياسى . وبعد قرار التقسيم أصبحت كل دول أوروبا تدعم الكيان الصهيونى بالسلاح . كما ينتقد الباحث قبول الأنظمة العربية لوفود من ممثلى اليشوف اليهودى فى مختلف الأنشطة الرياضية والفنية وتعامل اليشوف مع كل الطوائف اليهودية فى الدول العربية تحت أعين وبصر الأنظمة العربية أياً كان شكلها السياسى المأساة الكبرى وصف الباحث رد الفعل العربى على قرار التقسيم بالمأساة الكبرى حيث جاء الرد العربى فى أعقاب قرار التقسيم انفعالياً وغير مدروس ومشوباً بعلامات استفهام كبرى فقد رفضت الزعامات العربية خطة التقسيم ووصفتها بالمجحفة فى حق الأكثرية العربية التى تمثل 67% مقابل 33% من اليهود واجتمعت الجامعة العربية الناشئة وقررت إصدار مذكرات شديدة اللهجة لأمريكا وانجلترا وإقامة معسكر لتدريب المتطوعين فى منطقة "قطنة" قرب دمشق لتدريب الفلسطينيين على القتال وتكوين جيش عربى أطلق عليه جيش الإنقاذ ورصد مليون جنيه لأغراض الدفاع عن فلسطين . ويوضح الباحث أن هذه القرارات فى شكلها تبدو منطقية ولكن يتساءل الباحث هل زعماء العرب الذين أصدروا القرارات درسوا أبعادها ونتائجها؟ هل درسوا رد فعل أميركا وإنجلترا المتوقع ونتائجه؟ هل كانوا يملكون القدرات العسكرية والمالية التى تمكنهم من الصمود أمام الظلم الدولى المتمثل فى إنجلترا واميركا القوة العظمى بعد الهرب العالمية الثانية؟ وكان رد فعل إنجلترا رفض تسليح الفلسطينيين فاجتمعت الجامعة العربية وقررت غلق معسكر قطنة وتسريح المتطوعين وسحب أسلحة العسكر والاكتفاء بتجهيز جيش الإنقاذ من 7700 جندى فقط !! وبخصوص الأموال لم يصل لفلسطين إلا القليل منها كما يحدث حالياً لذا فقد وضعوا أنفسهم فى حرج بإصدار قرارات لا يملكون تنفيذها وكان يمكن للعرب إذا أرادوا إنقاذ فلسطين العربية أن يرسلوا من كل دولة عربية ألف جندى فقط ليكونوا جيشاً قوامه عشرين ألف جندى عربى كان يمكنهم تحرير فلسطين من العصابات الصهيونية التى كانت تتمركز فى 7% فقط من التراب الفلسطينى ومهما كان تسليحها فلا يمكنها الصمود أمام هذا الحشد الهائل ونتيجة هذه القرارات الغير مدروسة قام اليهود بتوظيفها واستغلالها لصالحهم فاستغاثوا بأميركا وانجلترا ودول اخرى لحمايتهم من العرب المتوحشين كما يزعمون فانهمرت عليهم الأسلحة من أوربا وأميركا وأوربا الشرقية . وكون الكيان الصهيونى جيشاً قوامه سبعين ألف جندى بأحدث تسليح مقابل 7700 جندى عربى وقد حققت كتائب الجهاد من المتطوعين المسلمين الذين وصلوا فلسطين من الدول الإسلامية على رأسها مصر وسوريا وحاصروا القدس بينما كانت مدن عربية اخرى تسقط الواحدة تلو الخرى وحدثت مذبحة دير ياسين وغيرها ورفضت الدول العربية إرسال أى تعزيزات للمجاهدين بفلسطين وحدثت حرب 1948 واستخدم جيش الإنقاذ العربى الهزيل أسلحة فاسدة وحدثت النكبة وسارت منظمة التحرير الفلسطينية التى حملت لواء الجهاد ضد الاحتلال عام 1967 على درب القرارات العربية الغير مدروسة مما زاد من تنامى قدرات إسرائيل ومازال الوضع قائماً وأصبحت الدولة الصهيونية فوق القانون تهدد السلام والأمن العربى والعالمى وتخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية وتعبث بالمقدسات وتهدد بهدم الأقصى ومازال التخاذل العربى والإسلامى والمتاجرة بالقضية مستمراً والوقت فى صالح الكيان الصهيونى