أكد الباحث محرم كمال في كتابه "الحكم والأمثال والنصائح عند المصريين القدماء"، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، أنه كان للمصريين القدماء أدب رفيع وآثار أدبية رائعة، خلفوها لنا مسطورة على أوراق البردي وغيرها، ولدينا من ذلك ذخيرة كبيرة تناولها العلماء المحدثون بالترجمة والشرح والتعليق. والكتاب يتناول الأدب التهذيبي للمصريين القدماء، وهو أدب الحكمة والموعظة الحسنة، نريد أن نقدم منه للقارئ نماذج، فهذه الحكم والأمثال تبدأ عادة بكلمة "سبويي" كعنوان لها. وهذه الكلمة المصرية القديمة معناها "درس أو تعليم" ويقصد بها تعاليم الحياة وآداب السلوك. وهي غالباً ما تكون نصائح موجهة من والد خبر الحياة، وذاق حلوها ومرها، يصوغ تجارب حياته التي اكتسبها بعد خبرة طويلة في عبارات بليغة موجزة، ويسوقها إلى ابنه كي يعمل بها، وينسج على منوالها حتى يحقق لنفسه النجاح في حياته المستقبلية. حكم بتاح حتب تعد هذه الحكم بحسب الكتاب أقدم نص موجود في أدب العالم القديم كله عبّر في قوة وبلاغة عن قواعد السلوك المستقيم، وهي بما في مادتها من غزارة تلخص لنا مقداراً كبيراً من أدب ذلك العصر. فإن "بتاح حتب" عندما شعر بتقدمه في السن أراد أن يعلم ابنه الحكمة، وأن يعده للقيام بأعباء الواجبات الحكومية، حتى يساعده في حياته ويخلفه في وظيفته بعد موته. وأكثر من نصف هذه الحكم يتحدث عن أخلاق الإنسان وسلوكه، والروح التي تسيطر على فلسفة نصائح ذلك الوزير المحنك هي شدة اهتمامه بالأخلاق والقيم الخلقية، وأبرز ما يلفت النظر هذه العبارة البليغة: "حصل الأخلاق وارع الحق واعمل على نشر العدالة، وعامل الجميع بصدق". جاء في مقدمة التعاليم كما يذكر الكتاب أن مؤلفها عاش في عصر الملك "اسيسي" أحد ملوك الأسرة الخامسة، ومن ثم يكون قد مر على هذه التعاليم ما يقرب من خمسة آلاف سنة. ويعد هذا الكتاب أقدم كتاب كامل في الأدب وصل إلينا. نقرأ في هذه التعاليم عن أدب الحديث، وعن الغنى والفقر، وعن التواضع والجد في العمل، وعن الزوجة التي يجب معاملتها برفق، وعن الصراحة والعطف، وعن الطاعة وحب الناس. قال مخاطباً ابنه: - لا تغتر بما حصلت عليه من العلم فتستكبر، ولا تتجبر، ولكن اجعل الأمر شورى مع الجميع. شاور الرجل غير المتعلم كالمتعلم، لأنه ليس هناك حد للمعرفة، ولا رجل وصل إلى غاية العلم، وأن القول الحكيم نادر وأكثر اختفاء من الحجر الأخضر الكريم. - إذا وجدت رجلاً يتكلم وكان فقيراً أي ليس مساوياً لك، فلا تحتقره لأنه أقل منك، بل دعه وشأنه، ولا تحرجه لتسر قلبك، ولا تصب عليه جام غضبك. فإذا بدا لك أن تطيع أهواء قلبك فتظلمه، فاقهر اهواءك، لأن الظلم لا يتفق مع شيم الكرام. - إذا كنت في صحبة جماعة من الناس، وكنت عليهم رئيساً ولشئونهم متولياً، فعاملهم معاملة حسنة حتى لا تلام، وليكن مسلكك معهم لا يشوبه نقص. إن العدل عظيم، طريقه سوية مستقيمة، هو ثابت غير متغير، إنه لم يتغير منذ عصر الإله الخالق. من يخالف القوانين يعاقب، ومن استحل حقوق الناس حراماً، أخذ الحرام معه الحلال وذهب. ما كان الشر يوماً بموصل مقترفه إلى شاطئ الأمان، قد يحصل المرء على شئ من الثروة عن طريق الشر، ولكن قوة الحق تبقى ثابتة. - لا تنشر الرعب بين الناس، فهذا أمر يعاقب عليه الرب. هناك من الناس من يقول: "ها هي الحياة قد أقبلت" فيمشي في الأرض مرحاً ويتكبر ويتجبر، فيجازي بالحرمان من خبز فمه. وهناك من الناس من يقول: "ها هي سطوتي" ويخيل إليه أنه يستطيع أن يستولى على كل ما يخطر له بالباطل، وبينما هو يتشدق بذلك تنزل به النازلة، فلا يملك لها دفعاُ، ولا لنفسه نفعاً. وهناك من يتحايل على الحصول على ما ليس له ليقتني بذلك ثروة تغنيه، وليهيئ لنفسه الأمن في مستقبله، ولكن المستقبل لا يهيئه أحد لنفسه لأنه بيد الرب. فما من شئ هيأه المرء لنفسه قد وقع، وإنما يقع ما أمر به الرب. فعش إذاً في بيت الأمان والطمأنينة، قانعاً بحاضرك، واثقاً بمستقبلك. - إذا كنت مزارعاً فاحصد نتاج حقلك، وسيبارك لك الرب فيه، ولا تملأ فمك على مائدة جارك. - لا تجعل الرجل الذي لا ولد له حسوداً، ولا تنبذه وتجعله مغموماً محسوراً لهذا السبب. فالرب هو الذي يخلق الإنسان ويقدر له نصيبه في الحياة. - اسمع يا بني، إن الثراء لا يأتي وحده، إنه يفد لمن يريده ويعمل له، فإذا عملت له وسعيت وراءه، فإن الرب ينيلك إياه. - إذا كنت بين جماعة من الناس، فاجعل حب الناس هدفك ومنيتك، ومبتغى قلبك وهواك، فيقول من يراك: "هذا هو رجل ناجح واتته الثروة فلأقلده"، فيحسن ذكرك وينبه، ويعلو قدرك، ويكتمل من أمرك ما ينقصه. - إذا كنت حاكماً، فكن عطوفاُ مستأنياً عندما تصغى إلى شكوى مظلوم ولا تجعله يتردد في أن يفضي إليك بدخيلة نفسه، بل كن به رفيقاً ولحاجته قاضياً ولظلمه مزيلاً رافعاً. - إذا كنت رجلاً عاقلاً فاتخذ لك بيتاً واحبب زوجتك، وخذها بين ذراعيك، افرح قلبها طول حياتك، لأن مثلها مثل الحقل الذي يعود بالخير الوفير على صاحبه. - إذا كنت قد تسامحت في سابق الأيام فصفحت عن شخص بغية هدايته، فدعه وشأنه ولا تذكره بفضلك في الغد. - كن سمح الوجه، وضاح الجبين مشرق الطلعة ما دمت حياً، ولا تحزن على ما فات، والمرء يُذكر بأعماله بعد موته.