ما زالت قيادات العنف فى الجماعة الإسلامية تمارس هوايتها المحببة لديها منذ ثمانينيات القرن المنصرم والتى بدأتها بأحداث عين شمس ثم أسيوط و تزامن معها جريمة اغتيال الرئيس الراحل " محمد أنور السادات " فى ذكرى نصر أكتوبر ، ومع أن الجماعة تلقت ضربات موجعة وتم تحجيم كيانها التنظيمي بعد حادث المنصة الأليم ، إلا أن أنها استعادت عافيتها مرة أخرى مع مطلع التسعينات وبدأت فى الظهور مرة أخرى على الساحة السياسية بقتلها لرئيس مجلس الشعب " رفعت المحجوب " ومع أن المحجوب لم يكن هو المقصود بهذه العملية كما أخبرني بهذا أحد المتهمين الرئيسيين فى القضية فى سجن العقرب ، إلا ان عملية قتل المحجوب كانت بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير وقطعت شعرة معاوية بين الجماعة والدولة آنذاك ، وبدأ الصراع بين الدولة المصرية والجماعة الإسلامية يأخذ منحى أكثر دموية وعنفا ، ودخلت الدولة فى مواجهة حاسمة مع التنظيم الذى بدا وكأنه يشكل تهديدا مباشر الاستقرار الدولة من الناحيتين الأمنية والاقتصادية ورغم أن الجناة فى حادث أغتيال المحجوب استطاعوا أن يفلتوا من حبل المشنقة إلا أن الدولة بدت وكأنها تغنى فى وادى والقضاء المصرى فى واد آخر . فالدولة بأجهزتها الأمنية بذلت أقصى مايمكن أن تبذله فى محاصرة الفكر المتطرف للجماعة منذ حادث المنصة ، إلا أن جهودها ذهبت أدراج الرياح بمقتل المحجوب على يد مجموعة من أعضاء الجماعة ، فبدأت الدولة فى وضع خطط جديدة وأساليب مغايرة تماما لتلك التى تعاملت بها مع الجماعة منذ نشاتها ، وأصدرت الدولة قانون الإرهاب والذى بمقتضاه تم تحويل أعضاء الجماعة الى المحاكم العسكرية ظنا منها أن الأسراع فى المحاكمات سيقضى على أفكار الجماعة المتطرفة وفكرها الذى يتناقض مع وسطية الأسلام والقبول بالعيش فى مجتمع يقبل التعددية بكل أشكالها وصورها السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية ، إلا أن هذه السياسة التى انتهجتها الدولة مع الجماعة وقواعدها المنتشرة فى أنحاء مصر فى فترة التسعينات وما تلاها لم يكن بالقدر الذى ينهى المشكلة التى تسببت فى صداع مزمن فى رأس الدولة بأجهزتها المختلفة . أما الجماعة فكان ردة فعلها أسوأ ما يكون وصار بأتجاه التصعيد المسلح ضد الدولة ومؤسساتها ، فبدأت بأستهداف مراكز الشرطة ورجال الدولة والوزراء وليس أدل على هذا من محاولاتها المتكررة بأستهداف شخصيات عامة وكتاب ومسئولين بالجهازين الأمنى والسياسى فى تلك الفترة التى أعقبت مقتل المحجوب والتى بررتها الجماعة فى بيان لها : أن أغتيال المحجوب جاء ردا على أغتيال المتحدث الرسمى للجماعة الأسلامية ، مع أن المقصود بالعملية كان اللواء " حسن الألفى " والذى كان يشغل منصب وزير الداخلية بعد إقالة اللواء " زكى بدر " , ولم يؤتى قانون الطواىء ثماره المرجوة فى مكافحة الأفكار المتطرفة والتى تمثلت فى مدرستين وجدتا فى هذا الوقت تبنت كلامنهما فكرة إزاحة نظام الرئيس المخلوع " مبارك " بالقوة وتغيير الأوضاع السياسية فى مصر عن طريق المواجهة المسلحة مع الدولة المصرية هاتين المدرستين أو الجماعتين هما " الجماعة الأسلامية " ومركزها ونقطة إنطلاقها صعيد مصر ، والثانية هى " جماعة الجهاد " والتى أنشقت عن الجماعة الأم التى تشكلت فى مطلع السبعينات فى أروقة الجامعات المصرية بعد أن أخرج السادات الأخوان من المعتقلات وسمح لهم بممارسة أنشتطهم الدينية والسياسية . وبدأت الجماعة الإسلامية تتلقى الضربات الأمنية ضربة تلو الأخرى فى صورة محاكمات عسكرية سريعة لأعضائها وأحكام أعدام بالجملة بحق أعضائها وقياداتها الوسطى ، بينما هى تحاول أن تمتص هذه الضربات بمزيد من عمليات العنف ضد الدولة وكان من أبرزها تلك المحاولات المتكررة لاغتيال الرئيس السابق "مبارك " كان أخرها وأشهرها حادث "أديس أبابا " والذى نجى منه "مبارك " بأعجوبة ، بينما أختتمت الجماعة مارثون العنف الفكرى والمسلح ضد الدولة باستهداف قطاعا حيويا من أهم قطاعات الدولة الاقتصادية بحادث الأقصر الذى ضج له العالم المسلمين منهم قبل المسيحيين ، كان قادتها المؤسسين لها يضعون اللمسات الأخيرة ويكتبون الفصل الأخير فى هذا المشهد العبثى من تاريخ مصر الحديث بمبادرة لوقف عنف الجماعة ضد الدولة ومؤسساتها ومراجعة جريئة وشجاعة لأفكارها وثوابتها التى أنطلقت منها فى مواجهة النظام القائم آنذاك لإسقاطه ، ففاجأت العالم ببيانها التاريخى بوقف العنف ونبذه وأدانتها لكل أشكاله ومصدره أيا كان هذفه أو غايته ، ولم تكتف بهذا بل أصدرت ما يمكن أن نسميه ندما وأسفا عن حادث المنصة الذى راح ضحيته شرف العسكرية التى عجزت عن حماية بطلا من أبطالها وهو الرئيس الراحل " السادات " فأصدرت الجماعة بينا تؤكد فيه ندمها على قتل السادات مشفوعا بأعتذار لأسرته وأعتبرته الجماعة شهيدا بعد أن قتلته على مرأى ومسمع من العالم . واستقبل المصريون هذه المراجعات بالترحيب وقبلوا أعتذارها للشعب المصرى وبدأت المبادرة تؤتى ثمارها على جميع الأصعدة للطرفين فتم الأفراج عن جميع معتقلى الجماعة الأسلامية ووقف فورى للمحاكمات العسكرية مع وعد من الدولة بمراجعة أوضاع المحكوم عليهم بالأعدام والأفراج عن السجناء الذين قضوا نصف المدة أو ثلاث أرباعها طبقا لأحكام القانون ولوائح السجون ،وهدأت النفوس وتآلفت القلوب حتى جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير فعكرت صفوها وقلبت موازينها وأنقسمت الجماعة وقياداتها مابين مؤيد للأطاحة بمبارك ونظامه ومعارض للأطاحة به ، بينما هناك فريق ثالث لا يستهان به يرى عدم الزج بالجماعة فى معترك سياسى غير مأمون العواقب ، خاصة وأن الجماعة خارجة لتوها من صراع كلفها الكثير من أمن وأستقرار أفرادها وحياتهم العامة والخاصة . وتمر الأيام وبعد وصول الإسلاميين الى سدة الحكم وحصولهم على الأغلبية فى المجالس التشريعية ومنصب الرئاسة فى مصر وفشلهم فى الحفاظ على مؤسسات الدولة من الانهيار وتبنى خطاب توافقى بعد ثورات الربيع العربى ودخول الجماعة فى تحالفات سياسية كلفتهم المزيد من الخسائر فى بنيتها التنظيمية وتحولات فكرية ونكوس واضح عن مراجعاتها الفكرية التى تبنتها الجماعة عقب مبادرة وقف العنف التى أطلقتها فى عام 1997 وتهديد بعض قياداتها الهاربة خارج مصر بالعودة لفكرة العنف وحمل السلاح ضد الدولة المصرية ، وبدت الجماعة وكأنها تتبنى الداعشية كفكر ومنهج للتغيير فى خارطة البلاد الجغرافية والسياسة . ويتضح للمتابع لتحولات الجماعة الإسلامية وتحالفاتها فى الداخل والخارج أن بعضا من قياداتها غير المسئولة والمنقلبة على قياداتها التاريخية والتى تتمتع بحماية ودعم بعض الأنظمة المعادية للدولة المصرية تسير بالجماعة الى طريق مسدود وتؤسس قاعدة جديد وخطيرة فى ذات الوقت مفادها " دعشنة الجماعة الإسلامية "