شهدت مصر في تسعينات القرن الماضي موجة إرهابية قاسية امتدت لسنوات طويلة مليئة بالأحداث الدامية تضمنت هجمات إرهابية علي سياح وقوات شرطة بخلاف قتل مواطنين مدنيين واغتيال وزراء ومفكرين كانوا ضد أن تكون مصر دولة دينية متطرفة ولا يمكن النظر في مستقبل العنف الدائر في مصر دون الرجوع بالتاريخ لما حدث في التسعينيات وكيف تم التعامل مع هذا الإرهاب الأسود وهل نجحت المواجهات الأمنية وحدها في القضاء علي تلك الهجمات الشرسة أم انتهت جميعها بالفشل؟ السبعينات كانت البداية الحقيقية لعودة الجماعات الدينية ومنحها الحرية في الجامعات والمدارس بسبب سياسة الرئيس السادات الذي أراد كبح جماح المعارضة الناصرية والشيوعية وطوال أكثر من عقد تمكنت الجماعات الإسلامية من إعادة التواجد في جميع المنابر الشعبية في المدارس والجوامع والجامعات هذا الجو مكَّن للأفكار المتطرفة من الانتشار بين الشباب في الوجه القبلي والبحري وبنهاية السبعينات ومع تردي الأوضاع الاقتصادية وتوقيع السادات للصلح مع إسرائيل وسفره إلي تل أبيب وقمع المعارضة السياسية في ذلك الوقت بدأت المرحلة الأولي للإرهاب الأسود بخلية الفنية العسكرية أوائل السبعينات وانتهت مع حادثة اغتيال الرئيس السادات 1981 بعد ذلك استطاع الحل الأمني والمتمثل في القبض علي العديد من عناصرها في إجبار تلك الجماعات علي إيقاف أعمال العنف بعد أن تم إضعافها أمنياً إلا أنه ومع بداية التسعينات عادت العمليات الإرهابية تستهدف المصالح الحكومية والشخصيات العامة فتم اغتيال رفعت المحجوب 1990 وكانت هناك محاولة لاغتيال مبارك في أديس أبابا 1995 ورغم القبضة الأمنية المحكمة التي تعاملت بها الدولة تجاه هؤلاء إلا أن ذلك لم يمنعهم من مواصلة الهجمات الإرهابية الشرسة علي السياح الأجانب بداية من 1993 وحتي 1996 بحصيلة 170 قتيلاً في أكثر من 11 عملية إرهابية وكان عام 1997 ذروة العمليات الإرهابية بمصر حيث جاءت عملية الأقصر كعلامة علي انتهاء المرحلة الثانية للإرهاب في مصر بغرض ضرب السياحة وأسفرت العملية عن مقتل 61 سائحاً وإقالة وزير الداخلية المصري السابق اللواء حسن الألفي في موقع الحادث بسبب المجزرة ولم تتمكن السلطات المصرية من القبض علي منفذي الحادث الذين فجروا أنفسهم. بعد ذلك لم تشهد مصر أي عملية إرهابية حتي أكتوبر 2004 بحدوث تفجيرات طابا والذي يعتبر مرحلة ثالثة للإرهاب ومع تغير المناخ السياسي تصاعدت أصوات المعارضة لانتقاد الطريقة التي تعاملت بها السلطات مع العملية الإرهابية مؤكدين ضرورة التغير وإيجاد حلول بعيدة عن الأمن ومع تجاهل السلطة لتلك الأصوات جاءت حادثة التفجير في حي الأزهر مساء 7 أبريل. المراجعات الفكرية مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق يؤكد أن الآلة الأمنية لم تؤت ثمارها في الحرب ضد الإرهاب الأسود في التسعينات إلا بعد المراجعات الفكرية التي أطلقها القادة التاريخيون للجماعة الإسلامية في السجون المصرية ونجحت في تغيير الثقافات والمعتقدات ولكن ذلك تم بعد إعلان الجماعة وقف العنف أولاً وقد بلغ عدد المعتقلين أكثر من 8 آلاف كادر من الجامعات واستطاعت الدولة أن تجمع القيادات في سجن واحد وهو العقرب وإمدادهم بالمراجع وتوفير النصح والإرشاد لهم علي يد أبرز الدعاة وهو فضلية الشيخ الشعراوي وبالفعل أخرجت تلك الجماعات أكثر من 12 كتاباً نتيجة هذه المراجعات والتي أدانت فتاوي العنف والاعتداء علي رجال القوات المسلحة والشرطة وقتل السياح وحرق الكنائس ونهب محلات الأقباط ونجحت تلك المراجعات الفقهية وكانت سبباً في وقف نزيف الدماء ونحن نحتاج الآن إلي مثل هذه المراجعات وليس الأمن للتصدي للفكر االتكفيري والقتل باسم الدين والدفاع عن الشرعية ومع أن هذا ليس الوقت الصحيح لها لأن الجماعة الآن تزايد علي مطالبها مما يجعل الأمر في غاية الصعوبة إلا أنه لو تم ستقوم بإنقاذ مئات الشباب الذين وقعوا ضحايا لهذا الفكر التكفيري المنحرف من الأفكار والسياسات التي تخرج عن نطاق الالتزام بالقانون وستقضي علي الجماعة نهائياً. تجفيف التمويل فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق أن المهمة التي تقوم بها قوات الأمن في هذه المرحلة من أصعب المهام وإذا افترضنا أن المواجهات الأمنية نجحت في التصدي للإرهاب في التسعينات فذلك لأنها كانت مباشرة بين الدولة والإرهاب ومع ذلك فهي لم تنجح وحدها بل صاحبها تجفيف مصادر التمويل الخارجي للجماعات بخلاف الدور الملموس للمراجعات الفكرية الفقهية التي قام بها المرحوم اللواء أحمد رأفت نائب مدير أمن الدولة في ذلك الوقت وبعض مشايخ الأزهر في الحد من التطرف لدي بعض الجماعات الإسلامية والسلفية إلا أن الوضع الآن مختلف فالمواجهة الآن تحتاج إلي وقفة حاسمة فالموضوع أكبر من حرب ضد الإرهاب بل إن هناك مخططاً يستهدف المنطقة بالكامل وعلي رأسها مصر فهو إرهاب مدعوم من دول خارجية وهناك 7 أجهزة مخابرات تعمل داخل مصر بقوة. التدني الاجتماعي وأما نعمان جمعة رئيس حزب الوفد الأسبق يشير إلي أن السلطات السابقة في التسعينات ركزت علي الحلول الأمنية وتناست الجانب الاجتماعي والذي تدني وانهار وأصبح السبب الحقيقي وراء عودة تلك التيارات وتأثيرها في المجتمع فالبطالة والفقر بيئة خصبة للإرهاب هذا بخلاف المؤامرات الخارجية خاصة أمريكا والتي تسعي إلي شرذمة العالم العربي لحساب إسرائيل فالدعم الخارجي الذي يتلقاه هذا الفصيل والجماعات الإرهابية من الخارج كبير جداً وبالتالي فإن الموضوع أكبر من حرب ضد الإرهاب لذلك يجب مراعاة الفرق بين الفترة التي نعيشها الآن والتسعينات فالحل الأمني وحده لا يجدي بدون حلول اجتماعية سريعة.