قبل بدء التصويت وفرز الأصوات وإعلان النتائج، كان المصريون يرددون أغنية مصطفى كامل نقيب الموسيقيين المصريين التي أهداها للمشير عبد الفتاح السيسي لفوزه المتوقع، ليعيد إلي الأذهان تاريخ الأغاني التي تم تأليفها من أجل الرؤساء والزعماء في هذا البلد على اختلافهم. أغنية كامل، التي حملت عنوان "ربنا وياك (معك) يا ابني"، وغناها المصريان محمد فؤاد وإيهاب توفيق، مع المغربية جنات، فتحت من جديد النقاش حول جدلية علاقة الغناء بمؤسسة الرئاسة، وكتابة الشعر في الحكام والتغني بخصالهم؛ وما بين مؤيد للأغنية بوصفها تعبر عن حالة في الشارع المصري، ومعارض لها بدعوى ضرورة الغناء للأوطان لا للأشخاص لتجنب "خلق ديكتاتور جديد". الموسيقار المصري حلمي بكر، قال إن "الشعوب العربية ورثت فكرة الغناء للحاكم وكتابة الشعر فيه منذ العصر الجاهلي؛ حينما كان فن الموسيقى مخصص للأمراء فقط، ليستمتعوا به أولا؛ وفنانو مصر تمرسوا على هذه العادة التي لا تعرفها دول أوروبا على الإطلاق لكنها منتشرة بكثافة في مصر والوطن العربي". وفي تصريح لوكالة الأناضول، قال بكر إن "فناني مصر قدموا هذا اللون الغنائي بوصفه غناءً قوميا؛ وظل الوضع على هذا النحو إلى أن تعرضت مصر لهزيمة من إسرائيل عام 1967 ، فتوقف عبدالحليم حافظ أشهر فناني مصر آنذاك، عن الغناء لجمال عبدالناصر". وأوضح أنه "لا ضير في الغناء للحاكم شريطة ألا يزيد الأمر عن حده، حتى لا يفقد قيمته ومعناه، وشريطة ألا يتجرأ على الغناء للحاكم كل من هب ودب"، على حد تعبيره. كما رفض بكر، اعتبار مدح الحاكم في الأغنيات إحدى أدوات صناعة الفراعين، وقال إن "هذا حديث شباب ثوري، يريد أن يختلف عن السائد حتى يلفت الأنظار إليه". اختلف معه في الرأي الناقد الفني المصري، طارق الشناوي، الذى أبدى دهشته الشديدة من أن "تظهر أغنية مؤيدة للسيسي كرئيس بهذه السرعة الرهيبة وقبل حتى أن يتم الإعلان عن فوزه رسميا من قبل اللجنة العليا للانتخابات". وفي تصريح لوكالة الأناضول عبر الهاتف، قال الشناوي إن "مصر ينبغي أن تطوي تماما مرحلة الغناء للأشخاص، وتدرك معنى أن يشدو الفنان بقيمة الوطن فقط لا غير؛ خاصة أن أغنيات الفنانين التي تأتي على شاكلة أغنيات المشير، تعكس في أذهان الناس صورة غير دقيقة عن البطل القائد الذى تحل كل مشكلات الوطن بمجرد ظهوره وتلويحه". وأضاف: "كنت أعتقد أن هناك حالة وعي لدى شعب مصر وفنانيه منذ انتهاء حقبة جمال عبدالناصر؛ بأن الغناء للأشخاص لا يصنع مجدا للوطن، بل وحتى الغناء للوطن لا يكفي، لأنه من غير المعقول أن نستنفذ كل طاقتنا في الغناء دون عمل". أغنية كامل، لم تكن الاولى لدعم السيسي، فقد سبقتها أغنيات كان يغلب عليها الطابع الشعبي وأبرزها "بالمختصر المفيد" التي قدمتها المطربة الشعبية بوسي؛ وأغنية المطربة جواهر "السيسي رئيسي"، و"ربنا يحميك يا سيسي" لشعبان عبدالرحيم؛ و"طوبة في طوبة" للمطربة آمال ماهر. بدأت ظاهرة غناء فناني مصر للحاكم في العصر الحديث، منذ عهد الملك فاروق الأول (1936-1952)، حينما غنى له محمد عبد الوهاب الملقب بموسيقار الأجيال "أنت اللي (الذي) أكرمت الفنان"؛ كما أهداه يوم عيد ميلاده أغنية "الشباب". أما المطربة أم كلثوم والملقبة بكوكب الشرق، فقد أهدت للملك فاروق وعائلته ثمان أغنيات أشهرها "اجمعي يا مصر"؛ و"يا أغاني السماء"؛ و"مبروك علي سموك"، وهو ما أهلها للحصول على "نيشان الكمال" والذي يعني "صاحبة العصمة"، وهو اللقب الذي لم تكن تحصل عليه آنذاك سوى الأميرات. وعقب قيام ثورة يوليو/ تموز 1952، تحول نظام الحكم في مصر من الملكي إلى الجمهوري، وبدأت أكثر فترات مصر السياسية التي شهدت إنتاجا غنائيا ضخما لدعم الحاكم جمال عبدالناصر (1954-1970). تزعم هذه الفترة من المطربين عبدالحليم حافظ الملقب محليا ب"العندليب الأسمر" الذى قدم عشرات الأغنيات في مدح ناصر أبرزها "اخترناك من قلب الشعب"، و"يا جمال يا حبيب الملايين"، و"إحنا الشعب"، فضلا عن أغنية محمد عبدالوهاب "ناصر كلنا بنحبك". عقب ذلك تنافس مطربون مصريون وعرب في الغناء للرئيس ومن أبرز هؤلاء فريد الأطرش الذى أهداه "حبيب حياتنا كلنا"، وصباح التي غنت "أنا شفت (شاهدت) جمال"، فيما أنشدت أم كلثوم عام 1965 أغنيتها الشهيرة "والله زمان يا سلاحي". وفي عهد أنور السادات (1970-1981)، لم يولِ اهتماما كبيرا بالغناء وأهله، ومع ذلك تغنى له المطربون بوصفه بطل الحرب والسلام، فأهداه سيد مكاوي أغنية "تعيش يا سادات" وأهدته فايدة كامل "حبيبنا يا سادات". أما الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981-2011)، فكان الموسيقار عمار الشريعي صاحب النصيب الأكبر في مدحه غنائيا من خلال أوبريتات كاملة كانت تذاع في شهر أكتوبر/ تشرين الثاني، من كل عام بمناسبة حرب عام 1973 ضد إسرائيل، ولم تكن تخلُ من ذكر مبارك كونه صاحب "الضربة الجوية الأولى" في تلك الحرب، وهو ما حدث في اغنية "اخترناك". كما كانت المطربة الجزائرية وردة التي نفاها نظام عبدالناصر وأعادها السادات، أكثر المطربات غناء لمبارك إذ أهدته عدة أغنيات أشهرها "بحب مبارك"، و"يا مبارك يا حبيب الشعب"، و"البطل ده من بلادي"، كما تربع هاني شاكر على عرش الغناء لمبارك بأغنيتين هما "نورت مصر"، و"يا معلي راية الحرية"؛ أعقبه عمرو دياب بأغنيته الشهيرة "اللي ضحى لأجل وطنه" بعد أن وضع ألحانها بنفسه. كما شهد عهد مبارك بداية الغناء الشعبي للرؤساء والحكام، حينما أهداه شعبان عبدالرحيم في إحدى المؤتمرات للحزب الوطني الديمقراطي المنحل "طوّر الاعلام.. وبقينا في الريادة.. اثنين قمر صناعي ولسّه فيه زيادة"؛ ثم زاد عليها أغنية جديدة بمناسبة عيد ميلاد مبارك قال له فيها: "عيد سعيد يا ريس يا وش الخير والنصر.. ربنا يحميك ودايماً تعلي اسم مصر". وبعد اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني التي أطاحت بمبارك، ووصل على إثرها أول رئيس مدني منتخب إلى سدة الحكم محمد مرسي (2012-2013)، لم يغنِ له سوى بعض المنشدين الإسلاميين كالمنشد أحمد صلاح الذى غنى عقب نجاح مرشحه في الانتخابات "مرسي رئيسنا"، وظهرت في عهده لأول مرة موجة الغناء الساخرة من الحاكم والتي بدأها الإعلامي الساخر باسم يوسف في برنامجه الموقوف حاليا "البرنامج" بأغنية "بعد الثورة جالنا (جاءنا) رئيس"، كما تهكمت الراقصة سما المصري على خطاباته بأغنية ساخرة تحمل عنوان "عيب يا ريس".