اغتيال بوتو حمادة فراعنة الديكتاتورية حليفة للتطرف، كلاهما يستمد فلسفته وقوته ومبرر وجوده من الآخر، فالتسلط هو سبب العنف وهو أداته، مثلما أن العنف والتطرف هما الأسباب الحقيقية والذرائعية لمواصلة خيارات الديكتاتورية ووجودها وتسلطها، كل منهما نبع للآخر، ومبرر حضور نقيضه، حيث لا إمكانية لنمو الديكتاتورية في ظل مناخ التعددية وصناديق الاقتراع وتداول السلطة، ولا مجال لنمو العنف والتطرف في ظل مثل المعايير من التعددية وثباتها وشيوع آثارها ووجودها في المجتمع. وجود العنف والتطرف في المجتمع ولدى القوى السياسية يمنح الأنظمة غير الديمقراطية، مبرر الانقضاض على أي مظهر من مظاهر الديمقراطية والتعددية والانتخابات والقيم الدستورية، ويبرر لها اجراءات تعطيل الدستور وتعليق حقوق الإنسان واتخاذ اجراءات احترازية لحماية المجتمع والناس والممتلكات من الاعتداء والتطاول والتخريب، مثلما أن غياب الوسائل والأساليب الديمقراطية الدستورية وحرية تشكيل الأحزاب ووصولها الى مؤسسات صنع القرار، وعدم اذعان أصحاب القرار إلى صوت الناس ورغباتهم وإهمال رؤية ومصالح الأغلبية وخياراتها، عبر عدم اللجوء الى صناديق الاقتراع وعدم احترام نتائجها يعطي هذا كله المبرر للقوى السياسية لاختيار طريق تعديل النظام او تغييره الى خيارات عنفية غير سلمية وغير مدنية ذات أساليب ووسائل كفاحية ثورية متطرفة مدمرة للتطور الطبيعي السلمي للمجتمع. في أوروبا الغربية والبلدان الرأسمالية المتطورة، فشلت القوى الثورية ووسائلها العنفية المتطرفة طوال النصف الثاني من القرن العشرين في التأثير على مسار هذه البلدان سياسياً واقتصادياً، وهزمت الألوية الحمراء الايطالية وبادر ماينهوف الألمانية والجيش الأحمر الياباني وغيرهم من المنظمات الثورية اليسارية من تحقيق نتائج تذكر، ليس بسبب قوة الأجهزة الأمنية، بل بسبب تجذر خيارات التغيير والتبديل والصعود والهبوط الديمقراطية ذات الطابع السلمي المدني في تلك المجتمعات، وتم هزيمة القوى الثورية واندحارها ونجاح الديمقراطية وانتصارها، رغم وجود علل في الأنظمة الرأسمالية غير العادلة، فغياب العدل لا يبرر نجاح قوى تتطلع للعدالة والتغيير، فالأهداف وحدها غير كافية لاحداث التغيير بل المطلوب التدقيق بالوسائل المناسبة أيضاً للوصول الى الأهداف العادلة. بينما نجحت قوى المعارضة في بلدان أوروبا الشرقية الاشتراكية على الرغم من قوة الأجهزة الأمنية وتسلطها، نجحت قوى المعارضة في إسقاط النظام الاشتراكي برمته، لأنها استعملت وسائل مدنية سلمية ذات تطلعات ديمقراطية في مناهضة النظام الاشتراكي وتقويضه. في بلدان العالم الثالث غير الديمقراطية، مازالت وسائل النضال متعددة غير مستقرة، لأن أنظمتها وشعوبها تعيش مراحل التطور والتغيير البطيء، فبعضها يسير باتجاه العنف بقيادة القاعدة والتيار الأصولي الذي استفاد من ظاهرتي فشل وهزيمة التيار اليساري على المستوى العالمي بهزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة مثلما استفاد من تحالفه (أي من تحالف التيار الأصولي الإسلامي بأجنحته المتعددة (مع الولاياتالمتحدة طوال مرحلة الحرب الباردة وتعاونهما المشترك (تعاون الأميركيين مع الفصائل الأصولية الإسلامية) ضد اليسار والشيوعية وخاصة بعد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، حيث كان التحالف قائماً بين الأميركيين والأصوليين. التيار الأصولي لم يهزم بعد، وما زال يحمل آفاق نموه رغم مرارة نتائج ادارته للصراع، في أفغانستان والسودان وفلسطين والعراق وايران ولبنان حيث حققت القوى الأصولية نجاحات في الوصول الى السلطة او لتعزيز نفوذها الجماهيري ولكنها تصطدم بمعيقات جوهرية تدلل على عدم مقدرتها على ادارة المجتمع على أساس التعددية والديمقراطية وتداول السلطة والانصياع الى نتائج صناديق الاقتراع، لأنها أسيرة للشمولية والادعاء بامتلاك الحق والفضيلة في مواجهة الآخر الباطل. باكستان نموذج حي للصراع بين العنف والديكتاتورية، واغتيال بناظير بوتو هي حصيلة الصراع بين الديكتاتورية والتطرف، لأنها تؤمن بفصل الدين عن الدولة وتتمسك بصناديق الاقتراع بما يتعارض مع خيارات النظام العسكري وخصومه الأصوليين على السواء. عن صحيفة الرأي الاردنية 17/1/2008