الأمر بيد الفلسطينيين خميس التوبي الدعوة التي أطلقتها اللجنة الرباعية الدولية لسلام الشرق الأوسط لإسرائيل لوقف الاستيطان، تُرى إلى أي مدى يمكن أن تتلمس طريقها بالنظر إلى الإنجازات المعدومة والتحركات العقيمة للجنة منذ تشكيلها؟ وهل هناك آذان إسرائيلية مصغية لهذه الدعوة؟ في الحقيقة ثمة فرق بين الواقع على الأرض وبين ما يردده المسؤولون الدوليون في المؤتمرات الصحفية ليكون مادة دسمة تتناقله الفضائيات في كل وقت وحين في نشرات أخبارها وتتناوله بالحوار والتحليل. كان المسؤولون الأميركيون يعيبون على بعض القادة العرب أنهم لا يصرحون بالحقيقة، فما يقولونه خارج الجدران المغلقة مخالف لما يدور ويرددونه داخلها، وتحديدًا كان هذا النقد إن لم تخني الذاكرة لمادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون في خضم المفاوضات والمؤتمرات المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي. ولا أدري ما إذا كان هؤلاء المسؤولون وخاصة الأميركيين قد تعلموا من القادة العرب المنتَقَدِين العادة نفسها، بحيث إن ما يتم بينهم في الكواليس يختلف عما يتفوهون أو بالأحرى (يتفون) به أمام الفضائيات من أحاديث ووعود جوفاء يدغدغون بها ذوي العواطف الجياشة والموهومين بوجود فرص سلام وإمكانية قيام دولتين فلسطينية وأخرى إسرائيلية تعيشان جنبًا إلى جنب. فعدَّاد زيارات وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس إلى المنطقة سجل تسع عشرة زيارة لها، وليس من قبيل الصدفة أن تتزامن زياراتها مع ممارسات إسرائيلية تتنافى تمامًا مع ما يسمى السلام ومعطياته، سواء كانت مع سرطان الاستيطان وهو يتمدد إلى أجزاء من الجسم الفلسطيني لم تدنس من قبل ولم تطأها حوافير الاحتلال، أو مع برنامج يستهدف تهويد القدسالمحتلة بالكامل وطرد المقدسيين الفلسطينيين منها، وإزاء كل ذلك لم تكلف الآنسة رايس نفسها أن تنبس بمجرد إدانة عابرة أو انتقاد، وما خفي في الكواليس كان أعظم. أو أن تتزامن زيارتها مع محاولات للمِّ الشمل الفلسطيني بين ضفتيه (قطاع غزة والضفة الغربية)، وتحت شعار دفع المفاوضات وتشجيع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي عليها، أو عرض أفكار جديدة، وقد وصف الطرف الفلسطيني آخر ما حملته جعبة رايس من أفكار بالمشجع وأنها ستكون محل نقاش في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي انعقدت مؤخرًا. غير أن الذي حدث أن امتلأت قبة الجمعية العامة بالبكاء والنحيب على ضياع مليارات الدولارات وإفلاس المؤسسات الرأسمالية الكبرى ليصبح كل ما قيل إنه أفكار جديدة تحت أنقاضها. واليوم تأتي رايس إلى المنطقة وتحديدًا إلى الكيان الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية في الوقت الذي كان يستعد فيه الفلسطينيون لعقد حوارهم الوطني برعاية مصرية، والذي تم تأجيله لخلافات بين حركتي فتح وخماس حول المعتقلين. وتبرر رايس جولتها بقولها إنها من أجل ضمان استمرار (عملية السلام)، وقُبيل وصولها كانت أعلنت النكوص عن الوعد الذي قطعته إدارة بوش بتوقيع اتفاق سلام في نهاية العام. الخشية الآن أن يمعن الكيان الإسرائيلي في عمليات الاستيطان بعد دعوة اللجنة الرباعية على غرار مؤتمر أنابوليس الذي نص على وقف الاستيطان وإطلاق المفاوضات، أو أن تتم مقايضة وقف الاستيطان بنسف الحوار الفلسطيني، إلى حين تتسلم الإدارة الأميركية الجديدة منصبها بشكل رسمي وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة. إلا أن نجاح ذلك من عدمه يبقى مرهونًا بموقف الفلسطينيين من قضيتهم. عن صحيفة الوطن العمانية 10/11/2008