يبدو أن الجريمة التي اقترفها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق حركة الجهاد الإسلامي باغتيال أحد قيادييها في نابلس بالضفة الغربية ومقاوم آخر ، وتبرير جيش الكيان المحتل بأن التهدئة لا تشمل الضفة ، جاءت لتكشف السبب في رفض هذا الكيان عن شمول التهدئة الضفة واقتصارها على قطاع غزة فقط ، وكما هو معلوم أن الكيان الإسرائيلي كان يعارض التهدئة بدليل المساومات والمماطلات الكثيرة التي ساقها قبل الوصول إلى أي اتفاق عليها ، وعندما باتت هذه المماطلات واضحة ومفضوحة ورأى أن الكرة في ملعبه لجأ إلى خديعة غزة أولاً ، حتى لا يظهر أمام العالم أنه رافض للتهدئة، لأن الكيان الإسرائيلي يعلم أن فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لها أفرع وقيادات وعناصر في الضفة ، فإذا ما أقدم على ممارسة إرهابه ضدهم انتفض أهلهم في غزة، ولن يهدأ لهم بال حتى يردوا على هذا الإرهاب الممنهج ، وبالتالي يتخذ من هذا الرد ذريعة لإحداث جلبة ونعيقًا على مستوى عالمي عبر آلته الإعلامية الجبارة والممالئة له بأن الفلسطينيين هم أول من خرق التهدئة ، ليكون في حل منها والعودة مجددًا إلى ممارسة هوايته بالتلذذ بإزهاق الأرواح وإسالة الدماء على طريقته المعهودة ، وهذا ما يظهر جليًّا الآن، حيث الحصار مستمر باستمرار إغلاق المعابر ، وكذلك في رد الفعل الذي أبدته وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني على ثلاثة صواريخ فلسطينية بدائية الصنع أطلقتها حركة الجهاد الإسلامي ردًّا على اغتيال أحد قيادييها في الضفة، حيث دعت ليفني إلى رد فوري وبالوسائل العسكرية، كما يسعى الكيان الإسرائيلي في نفس الوقت من خلال هذه التحركات إلى ممارسة ضغوط على الجانب الفلسطيني وتحديدًا حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لإجبارها على تبني الرؤية الإسرائيلية، وهي الإفراج عن الجندي الأسير جلعاد شاليط مقابل فتح معبر رفح الذي يعتبر رئة مهمة يتنفس منها قطاع غزة، إلا أن الحركة ردت أن هذا الطرح غير وارد، متمسكة بالإفراج عن 450 معتقلاً فلسطينيَّا في السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح شاليط. على الجانب الآخر وتحديدًا على الصعيد السياسي تسير محاولات الابتزاز والالتفاف على التهدئة وكذلك ما تم الاتفاق عليه من ملفات يمكن التفاوض عليها ومناقشتها لاحقًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لا سيما ملف اللاجئين والحدود والقدس، بذريعة أن التهدئة وتلك الملفات تمت في عهد حكومة أولمرت التي نجت مؤقتًا من السقوط لحين إجراء انتخابات داخل حزبه كاديما، وليفتح الباب أمام انتخابات جديدة، حيث يتهيأ رئيس حزب العمل ايهود باراك للمنافسة للفوز بالانتخابات وتشكيل حكومة جديدة تكون في حل عمّا تم قطعه في عهد حكومة أولمرت، لتبدأ العملية من مربع الصفر ثانية وبعد مجيء رئيس جديد للولايات المتحدة، وهكذا تسير العملية السياسية والتفاوضية في حلقة مفرغة، دون أي نتائج تذكر، أما ما يخص دعوة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الفلسطينيين والإسرائيليين لمفاوضات مباشرة ، فلا تعدو عن كونها مناورة أميركية إسرائيلية لتفويت فرصة الحوار الفلسطيني الفلسطيني الذي دعا إليه الرئيس محمود عباس، وما يؤكد على ذلك أن رايس اعترضت على مشروع القرار العربي القاضي بوقف الاستيطان الإسرائيلي والمقدم إلى مجلس الأمن مهددة بإحباطه، وكذلك اشتراط رايس خلال اجتماع اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط الثلاثاء الماضي في برلين اعتراف حماس بالاتفاقات الدولية قبل إجراء أي حوار بين حركتي حماس وفتح ، وذلك في ردها على طلب عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية برفع الفيتو الذي تضعه اللجنة الرباعية والإدارة الأميركية أمام الحوار الفلسطيني الداخلي.