يدور الجدل حاليًّا بين الفصائل الفلسطينية والسلطة الوطنية حول اقتراح الأخيرة إرسال قوات عربية إلى قطاع غزة، حيث ترفض الفصائل الاقتراح جملةً وتفصيلاً للخطر السياسي الذي يمكن أن يترتب على قدومها، ويشكل في الوقت ذاته عاملاً لا يساعد على مقاومتها الاحتلال ومُقيِّدًا لتحركاتها. وعلى الرغم من عدم إعلان الكيان الإسرائيلي موافقته على الاقتراح بعد، فإن في حال الموافقة ستكون الشروط الإسرائيلية حاضرة بقوة، إذ سيتم تحديد مواقع تمركزها ونوع تسليحها وعددها وتحركها ونطاق عملها ومهامها، بما يؤدي إلى تجيير هذه القوات كحراس أمنيين للكيان الإسرائيلي وتضييق الخناق على الفلسطينيين؛ الأمر الذي سيشكل سانحة للاحتلال لأن يصطاد في الماء العكر والإيقاع بين مقاومي الفصائل الفلسطينية وهذه القوات، عبر عملاء له ينفذون عمليات استهداف لعناصرها لتثير الحنق والضغائن لدى حكومات وشعوب الدول التي تنتمي إليها تلك القوات، وبذلك تكون قد تمكن (أي الاحتلال) من القضاء على كل شكل من أشكال الدعم والتعاطف العربي تجاه الشعب الفلسطيني وإفساد العلاقة القائمة مع البلدان العربية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى من المحتمل إذا ما تم تمرير الاقتراح بإرسال قوات عربية أن تضاعف حالة الانقسام الحاصلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة تترتب عليها قطيعة مطلقة بين الأشقاء الفلسطينيين، وهذا بحد ذاته هدف يسعى إليه الإسرائيليون ليتمكنوا من تحقيق مكاسب على الأرض بالسيطرة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية واستبعاد القضايا الجوهرية من أجندة المفاوضات، وخاصة القدس وعودة اللاجئين لاعتبارات أن الفلسطينيين ليسوا على وفاق من جانب، ومن جانب آخر أن الفتات المتبقي من الأراضي الفلسطينية لا يستوعب ملايين اللاجئين الفلسطينيين، خصوصًا وأن الكيان الإسرائيلي أعلنها صراحة أن قضيتي القدس واللاجئين غير واردتين في المفاوضات لا حاليًّا ولا مستقبلاً. وربما يراها المسؤولون الإسرائيليون فرصة لتعميق الانشقاق الفلسطيني وتوجيه ضربة قاصمة لأي محاولة على طريق لمِّ الشمل. غير أن اقتراح إرسال قوات عربية يبقى محكومًا أيضًا بمدى الهواجس الإسرائيلية من أن تتحول هذه القوات إلى مهمة أخرى كتدريب المقاومين الفلسطينيين أو تمارس نشاطًا استخباراتيًّا، وكذلك يبقى رهنًا بالتطورات على الأرض ومقتضيات العلاقة القائمة بين مختلف الفصائل الفلسطينية في ظل المساعي المصرية لإجراء الحوار الوطني الفلسطيني الذي دعا إليه الرئيس محمود عباس على أساس المبادرة اليمنية، ومخاوف السلطة الوطنية من الأفكار التي طرحتها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في زيارتها الأخيرة في الخامس والعشرين من أغسطس الماضي إلى الكيان الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى إعلان قادة الاحتلال الإسرائيلي استبعاد القدس وعودة اللاجئين من المفاوضات. إذًا هناك ما يقلق الفلسطينيين على السواء في كل من الضفة والقطاع، يحتم أن يكون دافعًا إلى التعجيل بعقد الحوار الوطني والخروج من دائرة الانقسام، لأن الأمور باتت واضحة وليست بحاجة إلى أدلة دامغة أكثر مما هو الآن حاصل ومشاهد.