ماذا يجري في افغانستان؟ محمد خرّوب ليست اعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة وحدها التي دفعت هذا ''الكم الرفيع'' من قماشة الفرنسي نيكولا ساركوزي والاسترالي (الجديد في منصبه) كيفين راد، والايطالي رومانو برودي، للهبوط في مطار العاصمة الافغانية (الذي هو في حقيقة الامر قاعدة عسكرية اميركية)، خلال 24 ساعة فقط للالتقاء بالرئيس الافغاني حميد قرضاي، الذي بات اسمه ومنذ ست سنوات مرادفاً للزعماء ''الدمى''، الذين ينصّبون حكاماً على شعوبهم من قبل قوات احتلال اجنبية، وتبدأ محاولة تلميعهم وتسويقهم داخلياً وخارجياً، الا انها محاولات غالباً ما تبوء بالفشل. لأن ''الدمية'' ذاتها غير قابلة للتسويق ولأن الذين يسوقونه فقدوا مصداقيتهم، بفعل الجرائم التي يرتكبونها بحق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وخاصة في القصف الجوي وعمليات القتل العشوائي، التي تمارس بوحشية تحت دعاوى محاربة الارهاب، وفي الحالة الافغانية (كما في بعض تفاصيل المشهد العراقي الذي لا يختلف كثيراً عن مثيله الافغاني)، هناك عامل ثالث يصعب على احد تجاهله او انكار تأثيره وهو تصاعد المقاومة ضد قوات الاحتلال.. لسنا هنا في صدد مناقشة ما يمثله حميد قرضاي في المشهد الافغاني، وخصوصاً في مسألة الحجوم والاوزان والسيادة الوطنية، بل ان ما لفت الانظار هو غموض الاسباب التي دفعت بهؤلاء الساسة الثلاثة الى الذهاب الى افغانستان واطلاق تصريحات حازمة ومتشددة من قبيل ما نطق به الرئيس الفرنسي بأنه ''لن يسمح بانتصار الارهاب والتعصب في افغانستان''.. فيما اختار رومانو برودي السياسي ''المعتّق'' والرافض لسياسات سلفه سلفيو بيرلسكوني احد ابرز الداعمين لجورج بوش والمعجب حتى ''الثمالة'' بالنموذج الاميركي (كما هي حال ساركوزي) اختار (برودي) لغة مشابهة للتعبير عن رأيه في ما يجري في افغانستان بالقول ''ان ايطاليا ستواصل دعمها لافغانستان على المدى البعيد في مواجهة التمرد''. اما رئيس وزراء استراليا الجديد كيفين راد الذي ألحق هزيمة نكراء قبل شهرين فقط باكثر زعماء العالم دعماً لبوش وتبعية للولايات المتحدة والذي قضى في الحكم مدة هي الاطول في تاريخ استراليا (جون هوارد) فان زيارته تندرج في اطار تعزيز مواقعه الداخلية وتبدو كزيارة علاقات عامة وايجاد المقاربات للتعاطي في الشأن الدولي، رغم ان برنامجه في السياسة الخارجية قام في الاساس على وعد بسحب القوات الاسترالية من العراق قبل منتصف العام المقبل، اذا ما وصل الى السلطة على نقيض السياسة التي انتهجها ''هوارد'' احد ابرز الذين واصلوا تأييدهم لسياسات بوش ''العراقية''، رغم تساقط العديد من حلفاء البيت الابيض جراء لعنة العراق مثل بيرلسكوني (الايطالي) وازنار (الاسباني) والبريطاني (بلير) واخيراً هوارد (الاسترالي). ثمة ازمة عميقة في افغانستان تواجهها قوات حلف شمال الاطلسي (ايساف) في بلاد الافغان، حيث لم يعد من الممكن اخفاء حقيقة عودة حركة طالبان ''بقوة'' الى المسرح الافغاني وقيامها بعمليات موجعة ضد هذه القوات بل ونجاحها في السيطرة على بلدة استراتيجية مثل ''موسى قلعة'' طوال عشرة اشهر قبل ان تتمكن قوات الاطلسي من اخراجها من تلك البلدة، فان المشهد الافغاني يبدو انه قد أُعطي أولوية على اجندة حلف شمال الاطلسي وبالطبع بضغط اميركي مكثف وهائل وبخاصة بعد ان استطاعت ادارة بوش ان تنتزع موافقة ''الناتو'' على المشاركة في عمليات عسكرية خارج حدود بلاد الاعضاء المنضوية تحت لوائه لاول مرة منذ انشائه قبل ستة عقود تقريبا. ليس مهما الان كثيرا، القول ان الولاياتالمتحدة الاميركية قد نجحت في توريط ''الناتو'' على نحو لا يستطيع هذا الحلف السماح لطالبان بالحاق هزيمة به على غرار الهزيمة التي باتت ملامحها واضحة في العراق بالنسبة الى ادارة بوش.. ما دام الحلف قد ''غاص'' في نهاية الامر في المستنقع الافغاني الذي يدرك الاطلسيون ''وفي مقدمتهم بريطانيا'' ان تلك البلاد الوعرة والصعبة والمعقدة بشعبها العنيد ''والبسيط ايضا'' واثنياتها المتعددة، قد ألحقت الهزائم بكل الامبراطوريات التي غزتها البريطانية، السوفياتية وحاليا الاميركية بردائها الاطلسي الذي تدثرت به، بعد ان اوشكت ان تخرج من ساحته التي جاءت اليها بحجة الارهاب.. مبكرا. قد تكون ''معركة'' استعادة موسى قلعة رفعت من معنويات القوات الاطلسية ''وربما الاميركية'' وان كانت التقارير تتحدث عن انسحاب تكتيكي منظم قامت به قوات طالبان بعد ان وجدت انه لا سبيل لها بالصمود في وجه القوات الكبيرة المهاجمة، وقد تكون الضغوط الاميركية على دول الاطلسي هي التي حدت بالقادة الثلاثة للذهاب الى كابول لامتصاص الانتقادات ''الاميركية'' الحادة القائلة، بأن دول الحلف لا تقدم دعما كافيا للقوات في ميدان المعركة ضد الارهاب ''وضد زراعة الافيون''. إلاّ ان كل ذلك على وجاهته واحتمالاته لا يقلل من حجم الفشل الذريع الذي لحق بالحرب الاميركية على الارهاب والذي تجلى، في جملة ما تجلى به، ليس فقط في عودة طالبان الى ''المسرح'' بقوة وانما ايضا في دعوة دمية واشنطن ''قرضاي'' طالبان للتفاوض مع نظامه لكن طالبان رفضت وترجمت رفضها بمزيد من العمليات الموجعة، ما يسمح بالاستنتاج بأن حرباً طويلة ودامية امام قوات الاطلسي المتورطة في جبال افغانستان ووديانها. لا تنسوا احتمالات التورط في منطقة القبائل الباكستانية وزير ستان عن صحيفة الرأي الاردنية 25/12/2007