لا تمر ساعة ولا يخلو مكان في كل شارع ومدينة مصرية، من حديث يفيض غضبا وكلمات تشتاط غيظا من حالة التردي الرهيب التي تعيشها البلاد، ما بين حوادث قطارات الموت، (آخرها قطار البدرشين) والعمارات التى تنهار على ساكنيها، (آخرها عمارة المعمورة) والهوان الذي يلقاه المصريون فى الخارج على أيدي رعاة الغنم الخلايجة (الحكم بحبس وجلد الجيزاوي – نموذجا)، والانهيار الاقتصادي المتوالي، إلى حد الاستدانة من الشرق والغرب، وهي الديون التى لن يدفع فوائدها الذين "مرمغوا" بها سمعة مصر، ولكن أجيال قادمة بأكملها. كل ذلك في ظل تخبط حكومي واضح، يقابله انشغال القيادات الحاكمة، بمعارك السياسة القذرة، وصراعات البرلمان والمعارك مع القضاء وصفقات تقاسم السلطة مع لصوص ومزوري ومجرمي النظام البائد، عبر التصالح معهم. الشارع يغلي ... وقد حانت ساعة الانفجار. لقد أصبح واضحا للعيان، أنه وبالرغم من وضع الدستور، ووجود مجلس الشوري، ومن قبله استقرار مؤسسة الرئاسة، والمضي قدما نحو انتخاب برلمان جديد، إلا أن شيئا من هذا الاستقرار السياسي المزعوم، لم يترك أثرا على حياة الناس في شيئ. على مستوي الداخل، لا تزال القطارات "تقطم" رقاب ركابها، وهذه وحدها كارثة لا عذر عليها من أي مسئول رسمي ولا معني للتحجج الواهي بأن الهيئة العامة للسكك الحديدية تعاني من أمراض النظام السابق، لسبب بسيط أن جميع المرافق عانت من ذات الإهمال الذي بلغ حد التخريب عمدا، لمؤسسات الدولة والإفقار عندا فى شعبها المبتلي بحكامه الواحدا تلو الآخر........ ولكن وعندما وقع حادث القطار الأول بالفيوم، قبل شهور، كان لابد من التنبه وجعل الأولوية لملف إصلاح هيئة السكك الحديدية، ليس فقط من منطلق أن هذا هو الواجب المنوط به الحاكم، ولكن حتى على المستوي السياسي والجماهيري، من أجل أن يثبت أن النظام الحالي يختلف فى اهتمامه بحياة المواطن، على عكس سابقه. إلا أن شيئا من هذا لم يحدث، ووقع الحادث الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس ثم السادس، فتحرك (جبل المقطم) أخيرا وتم على استحياء تغيير رئيس الهيئة فوزير النقل، ضمن خطوات شكلية وإصلاحات هامشية دون أدني اقتراب من جذور المشكلة، منعا لتكرار الكارثة تلو الأخري....... وكان هذا التراخ إلى حد الاستهانة بأرواح الناس، هو ما دعا الآلاف من المواطنين بالأمس إلى قطع خطوط السكك الحديدية بالإسكندرية والمحلة وبعض مدن الصعيد، والتظاهر سخطا في القاهرة على فشل الثورة في إسقاط سوي الرأس، بينما أذرع وأرجل وأصابع النظام القذرة لا تزال تعيث فسادا فى الأرض وتطأ هامات المصريين. الشارع يغلي ... وقد حانت ساعة الانفجار. على المستوي الخارجي، تلقي الشارع المصري لطمة عنيفة مُذلة، بالحكم الذي أصدرته محكمة رعاة الغنم بالرياض على أحد أبناء الشعب المصري، الذي راح يدافع عن مواطنيه المعتقلين والمجلودين على أيدي البرابرة السعاودة، في ظل صمت رسمي أقرب إلى التواطؤ من جانب مبارك ثم مرسي، فكانت النتيجة أن أصبح مدانا بجريمة – الله أعلم بحقيقتها – وليتم عقابه على طريقة العصور المظلمة فى أوروبا، التى كانت تستخدم عقوبة الجلد، ضمن أساليب أخري غير آدمية لتعذيب وامتهان البشر. وبينما وكالمعتاد نظم نشطاء مصريون وقفة احتجاجية سلمية أمام السفارة السعودية، إذا بزبانية قسم قصر النيل يقتحمون الوقفة ويعتقلون ثلاثة من شباب الثورة، الذين يتم الآن التنكيل بهم بدلا من تكريمهم، ولو بواحد في المائة من قدر التكريم الذي ناله السفاح طنطاوي وتابعه عنان على أيدي مرسي وجماعته. كانت النتيجة أن احتشد مزيد من الشباب أمام القسم الذي لازال جميع ضباطه، ورئيسهم "ماهر جرجس"، لم يعاقب أحد منهم على جرائم المشاركة في قمع الثوار، ومن قبلهم آلاف المصريين أيام العادلي، وذلك حتى تم الإفراج عن الشباب المعتقلين، وليتوجه الجميع إلى محطة مصر بميدان رمسيس ليشاركوا غاضبين آخرين احتجاجهم على جرائم قتل المصريين بكل الوسائل، إن لم يكن بالرصاص وقنابل الأعصاب المحرمة دوليا، فتحت عجلات القطارات وتحت أنقاض العمارات. أقولها لآخر مرة، وكلّي أمل في الله ألا يحدث ما يتوقعه المراقبون ويتمناه أعداء الوطن: احذروا ... فالشارع يغلي ... وقد حانت ساعة الانفجار.