هي المرة الأولي التي أقابل فيها ملكة حقيقية حينما كنت في بداية حياتي العملية؛ وعلي صداقة وطيدة بالفنان فاروق حسني والذي كان يشغل في ذلك الوقت وظيفة الملحق الثقافي المصري في باريس؛ وحضر إلي مصر في إجازة قصيرة ومعة الملكة فريدة زوجة الملك فاروق. اتصل بي فاروق حسني ليقول لي أن الملكة فريدة تريد زيارة سقارة؛ وطلب مني ترتيب زيارة المنطقة الأثرية. وذهبنا نحن الثلاثة داخل عربة فاروق حسني إلي سقارة؛ وفوجئنا بقطة تقفز أمام العربة ولم يستطع فاروق فعل شيء؛ ولم تكن هذه هي كل المفاجأة حيث وجدت الملكة فريدة تنزل من العربة وتبكي وهي تحتضن القتيلة ضحية فاروق حسني الذي كان هو الآخر في شدة التأثر. مرت قرابة الساعة حتي تماسكت الملكة مرة أخري واستكملنا طريقنا حتي وصلنا إلي سقارة وقمنا بزيارة الهرم المدرج من الداخل والخارج وكذلك مقبرة تي ومريروكا وبعد ذلك دعوتهم إلي الشاي في استراحة سقارة الجميلة؛ وذكرت الملكة أن الفضل في عودتها إلي مصر كان للسيدة جيهان السادات. والقصة أن جيهان السادات تلقت دعوة من فاروق حسني لزيارة معرض للملكة فريدة قامت خلاله بشراء لوحتين ودعوة الملكة فريدة لزيارة مصر. وذكرت لها أن السيدة جيهان السادات كانت تتلقي دروساً في الأثار المصرية في هذة الإستراحة من عالم المصريات الأستاذ الدكتور عبد المنعم أبو بكر. كانت الملكة فريدة تتحدث العربية بطلاقة؛ لم تحاول إدخال كلمة واحدة فرنسية أو إنجليزية في حديثها. وحكي فاروق عن أول لقاء له بالملكة فريدة وكان ذلك داخل المركز الثقافي المصري عندما تم افتتاح كافيتريا جديدة بداخله وفوجئ بالسكرتيرة تدخل عليه مكتبة لتقول له أن ملكة مصر تجلس في كافيتريا المركز ومعها سيدة أخري! ويحكي فاروق حسني بأنه توجه إلي الكافيتريا وفوجئ بالشبه الكبير بين السيدتين لدرجة أن لم يستطع التعرف علي أيهما تكون الملكة فريدة ولذلك نظر اليهما في نفس الوقت ووضع يده في منتصف المسافة بينهمل مرحباً بالملكة التي صافحته بالطبع ومنذ ذلك اللقاء توطدت صداقتهما. كان فاروق حسني هو السبب في تشجيع الملكة فريدة علي إقامة معارض فنية لعرض لوحاته؛ وقد لا يعرف كثيرون أن خال الملكة فريدة هو الفنان الشهير محمود سعيد. وأثناء افتتاح معرض الملك رمسيس الثاني في بوسطن وكان هذا المعرض تحت رعاية فاروق الباز الذي استطاع إقناع أحمد قدري رئيس هيئة الأثار بإرسال معرض رمسيس الثاني إلي بوسطن حيث حضرت حفل الافتتاح والمرحوم الدكتور جمال مختار وكان سفيرنا في واشنطن عبد الروءوف الريدي حاضراً؛ وأثناء الحفل صمتت فجأة الموسيقي ووجدنا المذيع يعلن وصول ملكة مصر - الملكة فريدة؛ وكانت بالفعل ملكة حتي وهي بدون عرش أو مملكة.. كان حضورها طاغياً ساحراً.. تلك كانت أيام جميلة تلألأ في سمائها الفراعنة بحضارتهم وأثارهم.