تثبت تجارب مصر القريبة وتجارب الدول المعاصرة التي نهضت بشعوبها أن التعليم هو ضربة الفأس الأولي في مشوار النهضة ومسمارها الأهم لتثبيت أسسها وقواعدها. وقد تعالت الأصوات طويلا وكثيرا بالبحث عن مخارج آمنة من مآزق العملية التعليمية في مصر التي ما تكاد تخرج من مأزق حتي تقع في مأزق آخر أشد وطأة وأكثر خطورة، ويكفي الاشارة إلي إلغاء الصف السادس الابتدائي أيام د. فتحي سرور وما تبعه من نتائج امتدت حتي الثانوية العامة وصولا الي الجامعة، وتجارب لعنة تحسين المجموع بالشهادة الثانوية التي وصلت بنتائج الطلبة الي ما فوق 105٪ وخسفت الارض بمن حصل علي 95٪ تخديما علي الجامعات الخاصة تحت ضغط عجز الدولة عن توفير مدارس وجامعات تستوعب الزيادة السكانية المتفاقمة عاما بعد عام واللجوء إلي التعليم الخاص والمشاركة المجتمعية. ولسنا في صدد تعداد التجارب الفاشلة التي أفرزت تعليما فاشلا ووزراء عاجزين عن العلاج، ذلك ان المنظومة التعليمية لا يمكنها ان تمضي منعزلة عن إرادة سياسية وحراك مجتمعي شامل متكامل بين الوزارات المختلفة وأطياف المجتمع، وهو ما تنبهت إليه د. هالة سليط الأستاذة المصرية المهاجرة المستقرة ببريطانيا منذ عام 198، المتخصصة في قضايا التعليم والتدريب، والمتابعة لمشاكل العملية التعليمية في مصر منذ كان د. يسري الجمل وزيرا للتعليم، والتي قامت مؤخرا بتدشين مبادرة تحت اسم »التعليم.. أمن قومي» من خلال مؤتمر نظمته إحدي الاكاديميات المهتمة بالتدريب والتنمية البشرية، وقامت المبادرة علي ان التعليم قضية ومعركة أمن قومي وخط الدفاع الاول في قضايا الوطن والمواطنة، وإن الصراع بين دول العالم اصبح في اطار قفزات العلم وتطبيقاته وتوظيفها في قنوات اقتصادية، وضربت مثالا بأن الصين المتقدمة في التعليم وتكنولوجيا التصنيع والانتاج حققت تفوقا ونجاحا لم تحققه الصين الشيوعية. ولأن التعليم أمن قومي فقد جعلته مبادرة د. هالة في القلب من تكامل جهود كل الوزارات والهيئات المدنية والشعبية لتأخذ منه وتصب فيه ايضا، فالتعليم كما تراه المبادرة عملية تفاعلية ما بينه وبين الصحة والإسكان والسياحة والمواصلات والزراعة والصناعة والثقافة والخطاب الديني والفن والأمن والاعلام وتنظيم النسل والبيئة. إنها مبادرة جديرة بالبحث والتواصل خاصة في ظل إثارة قضية تطوير العملية التعليمية في مؤتمر الشباب الذي انعقد بشرم الشيخ وأثيرت القضية ضمن محاور المؤتمر في حضور الرئيس السيسي ورئيس الوزراء والوزراء، ولو تحولت المبادرة بهذا المفهوم الي إرادة سياسية فسوف يتوافر لها الاقتناع الشعبي بأن التعليم فعلا أمن قومي لمصر يستحق التحمل والصبر والتخلي عن بعض الشكليات المستفزة حكوميا وشعبيا.. فهل نفعل؟