» يفضل ارتداء الثياب الأفرنكية وهو الأزهري القح ليس مجافياً.. ولكن تمتينا لصورته التي رسمها بعلمه، الهلالي ليس من أصحاب العمائم». صعب المراس، قوي الشكيمة، بحر في الفقه، مجدد، متجدد، درس المذاهب جميعاً، ووقف مقارناً بينها، مستصحباً علومها، متفرداً ببيان عرضها، لا ينحاز إلي مذهب، ولا يقف عند تفسير، ويؤمن بالقلب، وعنوانه استفت قلبك. الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر يشكل نقلة نوعية في مدرسة الفقه، ويصح عنواناً لمدرسة التجديد المرتجاة، إلمام الفقيه المحدث بالمذاهب جميعاً، لا يغادر تفسيراً أو حديثاً أو رواية إلا وأحصاها، ويقف علي المتون ولا يهمل الحواشي، ويجتهد في عرض الآراء جميعا غير منحاز أو مشايع، مع ترك فرجة واسعة للمسلم أن يتخير بقلبه، ويعمل عقله، دون سيطرة من عمامة، أو تسلط من شيخ، المسلم هو الأصل، ولست عليهم بمسيطر. قيمة الدكتور سعد الدين الهلالي العلمية يقدرها العلماء المنصفون، أما زاوية الرؤية اللافتة فهي عطفة الهلالي علي أصحاب الديانات الأخري، سيما إخوتنا المسيحيين، يغبطهم حديث الهلالي الذي يفيض بالإنصاف والعدل الذي تعلمه من مدرسة القرآن الكريم، ومتّنها بدراساته في المدرسة النبوية الشريفة، وتطويع ما تيسر من الحديث والتفسير ما يعلي من قيمة المواطنة الحقة والأخوة الإنسانية. الهلالي علي طول الخط يعلن موقفه غير آبه للهجمات المعاكسة، يضع فقهه وعلمه في ظهر المسلم، يقويه في مواجهة تغول الجماعات والشياخات وسطوة العمائم، يفضل ارتداء الثياب الأفرنكية وهو الأزهري القح ..ليس مجافياً ولكن تمتينا لصورته التي رسمها بعلمه، الهلالي ليس من أصحاب العمائم. رغم ضراوة المعركة علي استلاب العقل المسلم، يقف صلباً شامخاً ضد محاولة الوصاية علي المسلم، عنده حرية المسلم هي الأساس، واختياره العقلي هو الأصل، وحكمه من القلب، لا يأبه لمرشد ولا ينصّب نفسه شيخاً، ويفقه المسلم ويحفزه، أنت أمام ربك، ودليك في قلبك، استفت قلبك، لا تحتاج إلي مرشد ولا إلي دليل، ويعرض علي المتلقي أميناً كل الآراء، وكل المذاهب، وكل ما ثبت عن الأقدمين، دون إغفال لرأي ولو كان نادراً، أو تفسير ولو كان غريباً، يعرض الآراء كلها، حتي جواز الأضحية بطير توسيعاً وتيسيراً وحتي لا يحرم المسلم من ثواب الأضحية. الهلالي يؤسس لتيار جديد في تجديد الفقه يعمد بحق إلي نزع القداسة عن كل ماهو بشري فقها وتفسيرا ورواية، وفي سعيه للتأكيد علي بشرية الفقه وقدسية النص، لا يركن إلي تفسير وحيد وإن كان إجماع الفقهاء، هناك دوما رأي مخفي عند عمد أو سهو او لحاجة في نفس صاحبها، وهذا يخالف الأمانة العلمية والفقهية، ولا يستطيب رأيا فينتصر لقائله، ولا يغفل اجتهادا منسوباً لصاحبه. مدرسة الهلالي يصح وصفها ب»العصف الفقهي »، يعصف الهلالي بالراكد، يحفزك، فكر، تدبر، الفقه من اجتهاد بشر، أما الشريعة فمن عند الله، ويأبي أن تعامل طبقة الشيوخ الفقه بقداسة أو ترفيع لما هو فوق إعمال الفكر، وينظر إلي فقه الأقدمين نظرة حداثية لا تهمل ظرفاً مكانياً أو زمانياً إلا وأحصته وعرضته، وللمسلم حق الاختيار، لا يسلبه منه كائن من كان حتي لو كانت هيئة كبار العلماء!