ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام نشرت جريدة الأهرام الغراء في عددها الصادر يوم السبت3 نوفمبر2012 م الصحيفة رقم18 إسلاميات مقالا بعنوان حرام عليكم للكاتب الأستاذ إسماعيل الفخراني, منتقدا ومهاجما لسياسة التليفزيون المصري الرسمي بتكرار جملة حرام عليكم ست مرات عدا مرة العنوان, وقد اقتبس عنوان مقاله من الكلمة التي وصفها ب الوحيدة التي قالها الطالب المهذب الوحيد في مدرسة المشاغبين الفنان أحمد زكي رحمه الله كلمة حق وحيدة. ثم أسقط هذه الكلمة علي كل ما يخالف رأيه ووجهة نظره في الحياة حتي خلط بين مسرحية مدرسة المشاغبين الفنية وبين برنامج مجلس الفقه العلمي الذي أشرف بتقديمه في التليفزيون المصري, وكما وصف تلك المسرحية بالمثيرة للجدل وصف شخصيتي المتواضعة بالمثيرة للجدل أيضا ثم صب غضبه وحنقه عليها بكيل من التهم والإفتراءات التي لا أظن نجاته من إثمها يوم القيامة إلا بالإعتذار الذي يسترضيني, ولأني عبد الله وأحد خلقه المؤمنين به سبحانه فقد أمنت علي حقي من الضياع وضمنت ترضية الله تعالي لي لقوله تعالي: يوم هم بارزون لا يخفي علي الله منهم شئ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار اليوم تجزي كل نفس ما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب( غافر:16-17). ولكن اهتمامي بالرد علي هذا المقال يرجع إلي المساهمة في حماية المجتمع المصري من استغلال اسم الدين وأحكام الحلال والحرام في الأهواء الشخصية, كما يرجع إلي المساهمة في الدعوة إلي توحيد الله الذي يعني تحرير الناس من عبوديتهم لبعضهم ولو كانوا علماء أو أمراء أو أصحاب قلم صحفي إلي إخلاص العبودية لله التي تعني الإلتزام بحسب القناعة الشخصية في غير الإلتزام التعاقدي جمعا بين قوله تعالي: أوفوا بالعقود( المائدة:1) وبين ما أخرجه أحمد بإسناد جيد عن وابصة بن معبد أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك. وأوجز ردي في النقاط التالية: أولا: حكم الحرام للشيئ يستنبطه الفقيه المجتهد من وجهة نظره إذا غلب علي ظنه أن الأدلة الشرعية تنهيعنه بصفة جازمة ولا يقتبسه من قول ممثل ولو كان عبقريا في عمل فني معين وإلا فإن صاحب المقال يدعو إلي أخذ أحكام الدين من الأعمال الدرامية وقد قال تعالي: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون( النحل:116) يقول ابن كثير: يدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي, أو حلل شيئا مما حرم الله, أو حرم شيئا مما أباح الله, بمجرد رأيه وتشهيه. ثانيا: يصفني صاحب المقال بالشخصية المثيرة للجدل لحاجة في نفسه, وهذه الصفة تصح في الأشخاص مجهولي الهوية كالذين يتكلمون في عمق الدين دون أن تعرف دراستهم, أو مزدوجي الشخصية كالذين يزعمون امتلاكهم لأكثر من تخصص. أما العبد الفقير فقد تدرج في التعليم الأزهري منذ طفولته حتي صار حاليا أستاذا ورئيسالقسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة وكان يشغل من قبل عميدا لكليتي الدراسات الإسلامية والعربية بأسوان ودمياط ورئيسالقسم الفقه والأصول بكلية الشريعة بالكويت, وهو حائز علي العديد من الجوائز الدولية والمحلية ويعتز بجائزتي النيل والدولة التشجيعية, وله العشرات من الكتب الفقهية الموسوعية والمئات من الأبحاث العلمية وحياته كلها نذرها للفقه الإسلامي قراءة وتأليفأ ولا يعرف سبيلا للتجارة أو السياسة,فكيف يكون مثيرا للجدل وهو بهذا الوضوح في اسمه وفي وصفه. ثالثا: اتهمني صاحب المقال صراحة بتعمد تمييع الفقه وتضييع الشريعة. وأتساءل كيف بهذا الكاتب وهو بشر كآحادنا قد اطلع علي قلوب الناس التي لا يعلم سرائرها إلا الله سبحانه؟ وكيف به يجعل تعليم الفقه تمييعا, ويجعل تنوير الناس بحقهم الشرعي في الاختيار الفقهي تضييعا للشريعة؟ ألا يتقي الله صاحب هذا المقال في المسلمين؟ ألا يخشي الله فيهم؟ كيف يأتيه النوم وهو يقلب الحقائق ويظلم العبيد ومتاع الدنيا قليل؟. رابعا: افتري صاحب المقال علي شخصي المتواضع بإباحة شرب البيرة وامكانية عدم دفع زكاة المال الموقوف علي النفس. والعجيب أنه يعلم ما سجلته علي نفسي في الفضائيات وفي عدد مجلة الأزهر الصادر في مايو2012 م من اختياري مذهب الجمهور الذي يري تحريم البيرة وأن اختياري هذا لا يلزم غيري ممن يري اختيار قول أبي حنيفة وأبي يوسف القائلين بتحريم الخمر المتخذة من العنب والتمر قليلها وكثيرها وأما المتخذ من غيرهما فقالا بحل شرب القليل غير المسكر منه باعتباره سكرا وليس خمرا. وأما الوقف علي النفس فقد قال بمشروعيته الحنفية والشافعية والحنابلة في الجملة وليس سعد هلالي. ويري الحنفية والشافعية في الأصح وبعض الحنابلة عدم وجوب الزكاة في المال الموقوف علي النفس; لضعف الملكية فيه. فهلا شكرني صاحب المقال أن عرف ما لم يكن يعرف أم يصب غضبه علي هذا التنوير الذي دعا إليه الرسول صلي الله عليه وسلم في حديث الصحيحين عن معاوية: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. خامسا: استوعب صاحب المقال أحكام الأضاحي بحسب ما أوجزته عن الفقهاء في المذاهب الأربعة ولكنه أنكر عليهم فقههم ويريد مني التدليس علي عموم المسلمين والكذب علي الله بافتراء حكم وجوب التبرع بثلث الأضاحي للفقراء بدون دليل صحيح, وخلافا للفقه الإسلامي الذي يري أكثره أن التبرع من الأضحية تطوعا إلا علي مذهب الشافعية والحنابلة الذين قالوا بوجوب التصدق بمقدار إطعام فقير, وزاد الحنابلة أنه إذا لم يتصدق باللحم فعليه التصدق بقيمة إطعام فقير, وذكرنا أدلتهم في ذلك بما يعجز المقام عن تفصيله. إن مجلس الفقه الذي يبثه التليفزيون المصري يخدم الحقيقة العلمية وراغبي الفقه ويرعي مصالح عموم الناس; لأن الإسلام لا يري تعارضأ بين مراعاة مصالح الفقراء وبين مراعاة مصالح الأغنياء, فمقاصد الشريعة تستوعب الجميع ولا تهدف إلي كسب أصوات فئة علي حساب فئة أخري, فالكل تكلؤه رحمة الله التي وسعت كل شئ. المزيد من مقالات د.سعد الدين هلالى مسعد