حق الاجتهاد والرأي حق يعني بالمسائل العملية. أو بالأحكام الموضوعية التي يمارسها الناس ويلتزمون بها في حياتهم التشريعية. والاجتهاد هو بذل الوسع والطاقة في طلب الأمر. حتي يصل إلي نهايته. في صورة رأي مستند إلي دليل. ويقدر الاسلام اجتهاد الناس. ويعده حقا من حقوقهم. بل أسس شريعته علي ضرورة الاجتهاد لينتفع الناس في كل عصر بثمرة عقولهم. وحسبنا في ذلك ما رواه الدرامي والطبراني وأحمد. من حديث وابصة بن معبد الأسدي. الذي جاء يسأل النبي. صلي الله عليه وسلم. عن البر والإثم. فقال له: "استفت نفسك. استفت قلبك يا وابصة ثلاثا البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب. والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر. وأن أفتاك الناس وأفتوك" وفي رواية: "وإن أفتاك المفتون". ولابد أن يثمر الاجتهاد عن اختلافات فقهية تعتبر ثروة لحضارة كل عصر. وقد ذهب أكثر أهل العلم إلي أن التعددية المذهبية. أو الخلاف الفقهي القائم علي اجتهاد ضرورة شرعية تجدد الدين. وتضمن له البقاء بدوام الدنيا. وتظهر توسعته ورحمته بالناس. فهو من المقاصد الشرعية. إنما كان الخلاف الفقهي ضرورة شرعية. لأن الاسلام أوجب علي الفقهاء الاجتهاد في المسائل التي لا نص فيها. وهي أكثر من أن تحصي. والمجتهدون بالضرورة لابد ان يختلفوا. لتفاوت جهات النظر. مع تأمين الاسلام لهم باعطاء أجر للمخطئ منهم وأجرين للمصيب. فيما أخرجه الشيخان من حديث عمرو بن العاص. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران. وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر".وبهذا فتح الاسلام باب التعددية المذهبية حتي يتجدد الدين بتجديد الاجتهادات. كما أن الخلاف الفقهي أو التعددية المذهبية تظهر توسعة الشريعة الإسلامية. ورحمتها الناس من باب اعتبار تلك الشريعة باجتهاد المجتهدين. فهؤلاء الفقهاء يمثلون بتعددهم صنوف الناس ومشاربهم. فكل فقيه من أهل الاجتهاد له من الناس مؤيدون ومقتنعون. وبذلك شملت مظلة الشريعة عموم البشر. وفي هذا من التوسعة والرحمة مالا يخفي ومع كل ما سبق فإن هناك من الفقهاء من يري أن الخلاف الفهقي أمر مذموم شرعا. وأن التعددية المذهبية أمر مقيت فقها. ومظهر من مظاهر الفرقة والشقاق بين المسلمين. ويجب الخلاص منه عن طريق نبذ المذاهب الفقهية. واعتماد ما ورد في الكتاب والسنة مباشرة. وقد انتصر ابن حزم الظاهري لهذا القول. ويروج له كثير من أدعياء الفقه في هذا العصر. ولئن كان انتصار ابن حزم لهذا القول بدافع اثبات صحة اجتهاده في المسائل الفقهية دون عجز أو ضعف عن مناقشة اجتهاد غيره. لما يشهد له كتابه "المحلي" من قوة في مناقشة أدلة مخالفيه. واحاطته بأقوالهم. فلا نعلم دافعا لترويج أدعياء الفقه في هذا العصر فكرة نبذ أقوال فقهاء المذاهب إلا انعدام ملكة هؤلاء المعاصرين الفقهية. وعجزهم عن مواجهة أدلة فقهاء المذاهب الأخري. ثم ان دعوي الأخذ بما ورد من الكتاب والسنة مباشرة فيها تعريض بفقهاء المذاهب وكأنهم لم يعتمدوا عليهما. والحقيقة ان فقههم ما بني إلا عليهما. غير أن نصوص الكتاب والسنة نزلت بلسان عربي. واللفظ العربي ثري بمعانيه التي تدور بين الحقيقة والمجاز. والعموم والخصوص. والاطلاق والتقييد. وغير ذلك مما يفضي إلي كثرة الأوجه في النص الواحد. كل هذا يؤكد ان الاسلام يقر بثقافة التعددية المذهبية في المسائل الفقهية بما يؤد إلي التكامل. ويمنع من الفرقة.