تكتسب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الحالية إلي فرنسا أهمية مضاعفة بسبب توقيتها وطبيعة القضايا التي تتناولها. فعلي الصعيد الثنائي. فإن هذا هو أول لقاء للرئيس السيسي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب انتخابه. في الوقت الذي تمر فيه العلاقات المصرية- الفرنسية بافضل فتراتها من حيث التفاهم المشترك. والتبادل الثنائي التجاري والاقتصادي والعسكري. والتعاون السياسي والأمني. في الوقت نفسه فإن الملفات الاقليمية والدولية المتوقع أن يشملها جدول أعمال هذه الزيارة يتضمن قضايا بالغة الأهمية في مقدمتها التعاون في مجال مكافحة الارهاب وتجفيف منابع تمويله ومصادر الدعم السياسي والاعلامي الذي تقوم به بعض الدول في المنطقة وخارجها. ثم القضية الفلسطينية التي تحظي باهتمام كبير من الدولتين خاصة بعد رعاية مصر للمصالحة الفلسطينية التي أدت إلي إعداد الساحة الفلسطينية من أجل التحرك الضروري المطلوب والمتوقع لاستئناف جهود التسوية السلمية.. إضافة إلي الوضع في كل من ليبيا وسوريا وسائر قضايا المنطقة. والأمن في حوض البحر المتوسط بما يشمله من قضايا الهجرة غير الشرعية وعصابات الاتجار بالبشر بين افريقيا وأوروبا. ان العلاقات المصرية- الفرنسية لها طبيعة متميزة تستمدها من تاريخ التفاهم السياسي المشترك بين البلدين سواء عبر المتوسط أو في القارة الأفريقية حيث لمصر دور محوري فيها ولفرنسا اهتمام تاريخي بها. وللبلدين تاريخ من التفاعل الثقافي المتواصل. فمصر رغم عدم الانتشار غير الكبير فيها للغة الفرنسية. مقارنة بغيرها من الدول الفرانكفونية الأخري- فإنها دولة فرانكفونية بمعايير ثقافية عديدة. بل إن مصر قدمت أول رئيس للمنظمة الفرانكفونية هو الدكتور بطرس بطرس غالي. تاريخ حافل ترتبط مصر وفرنسا بعلاقات تاريخية تعود لنهايات القرن الثامن عشر. وبالتحديد مع مقدم الحملة الفرنسية التي تركت بصمتها علي كثير من جوانب الحياة المصرية. فمعها بدأت شرارة تحول مصر لعصر الحداثة. خاصةً وأن الحملة رافقتها مجموعات من العلماء الذين أسهموا في إعادة اكتشاف جوانب عديدة في مصر منها. واكتشاف وحل رموز اللغة الهيروغليفية علي يد شامبليون. وبناء المجمع العلمي. وتأليف كتاب وصف مصر. وعندما شرع محمد علي في بناء مصر الحديثة كانت البعثات المصرية تتوجه إلي فرنسا في كافة مجالات العلوم والاداب بدءاً برفاعة الطهطاوي وصولاً إلي طه حسين وغيرهم. وفي العصر الحديث تكثفت علاقات مصر وفرنسا علي أسس الاحترام المتبادل. المصالح المتبادلة سياسياً واقتصاديا وتجاريا. بدءًا بعهد الجنرال ديجول وصاحب المواقف القوية المتضامنة مع العرب عقب عدوان 1967. مرورًا بفترات حكم الرؤساء بومبيدو. ديستان. ميتران. شيراك. ساركوزي. أولاند وأخيرًا إيمانويل ماكرون. ويرصد تقرير أعدته الهيئة العامة للاستعلامات تنامي العلاقات المشتركة بين البلدين وتوجهها نحو التقارب بشأن القضايا والملفات المطروحة علي مختلف الساحات. وبخاصةً منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مهام الرئاسة. حيث كان لفرنسا موقف واضح من ثورة 30 يونيو واستيعاب انها تمثل ثورة شعبية قامت بها جموع الشعب المصري. وأعلن وزير خارجية فرنسا آنذاك "لوران فابيوس" ان موقف بلاده يقوم علي المطالبة بضرورة الحل السياسي وأنها وأوروبا لا يساندان الإخوان. ولكن تريدان أن تتجه مصر نحو الحوار والانتخابات. وأن من الخطأ تعليق المساعدات الاقتصادية ومعاقبة الشعب المصري بأكمله". ولا شك أن تزايد معدل الزيارات الرسمية بين الدولتين سواءً علي مستوي الرئاسة أو مستوي الوزراء وكبار المسئولين منذ عام 2014 يعكس تقاربًا ملحوظًا إزاء قضايا المنطقة وعلي رأسها القضية الفلسطينية والأزمة الليبية والسورية والعراقية وغيرها من الملفات الساخنة الأخري. وبخاصة ملف تمدد الإرهاب إقليميًا. واستمرار حالة التوتر في المناطق المؤثرة علي الأمن القومي للبلدين. ومسالة السلم والأمن في منطقتي الساحل والصحراء. إلي جانب تنمية الشراكة الأورومتوسطية وقضايا الأمن في منطقة المتوسط في ظل تزايد معدلات الهجرة غير الشرعية. وطبقا لتقرير الهيئة العامة للاستعلامات تشير إحصاءات 2016 إلي أن حجم الاستثمارات الفرنسية في مصر يبلغ 4 مليارات يورو. موزعة علي عدد 458 مشروعا في قطاعات الصناعات الزراعية وتكنولوجيا المعلومات والبناء والطاقة المتجددة والنقل والمواصلات وتنقية وتحلية المياه ومشروعات البنية التحتية والسياحية. وقد شهد التبادل التجاري بين البلدين تطورًا ملحوظًا خلال الفترة من يناير وحتي أغسطس 2017. حيث ارتفع حجم التبادل التجاري إلي مليار و546 مليون يورو. مقارنة بمليار و380 مليون يورو. في الفترة ذاتها من العام الماضي. بمعدل ارتفاع بلغ 12%. كما حققت الصادرات المصرية نموًا بلغ 21%. حيث بلغت 401 مليون يورو مقابل 332 مليون يورو خلال نفس الفترة من العام الماضي. وبوجه عام تتمثل أهم الصادرات المصرية لفرنسا في البترول. الغاز الطبيعي. الأسمدة. الملابس الجاهزة. المنسوجات. المصنوعات البلاستيكية. الخضراوات والفواكه. السيراميك. فيما تتمثل أهم الواردات في القمح والحبوب. المعدات. الآلات الإليكترونية. المنتجات الدوائية ومشتقاتها. الكيماويات. والسيارات. ولا شك أن الحكومة المصرية حريصة علي جذب المزيد من الاستثمارات الفرنسية إلي السوق المصري. للاستفادة من فرص الاستثمار المتاحة وموقع مصر المتميز كمحور استراتيجي لانطلاق منتجات الشركات الفرنسية إلي أسواق الدول العربية والإفريقية. وتبني مبادرات جديدة من شأنها إقامة مزيد من المشروعات والاستثمارات المشتركة خاصة في مجال تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ونقل خبرات الشركات الفرنسية العاملة في هذا المجال للسوق المصري. تتمثل ركائز التعاون الاقتصادي بين البلدين في المجال الاقتصادي والتجاري في مؤسسات: المجلس الرئاسي المصري - الفرنسي الذي أنشيء عام 2006 . ومكتب للوكالة الفرنسية للتنمية بالقاهرة 2006 بالاضافة إلي استثمارات فرنسية في 160 فرعاً لمنشأت فرنسية توظف أكثر من 30000 موظف مصري. وتحظي بمزايا حقيقية في القطاعات الواعدة في السوق المصرية. كما تأتي اتفاقية المشاركة المصرية الأوربية كواحدة من أهم الاتفاقيات المشتركة التي أتاحت تصدير عدد كبير من السلع المصرية إلي أسواق الإتحاد الأوربي بصفة عامة وفرنسا بصفة خاصة بدون رسوم جمركية. كما شهدت الزيارات المتبادلة قيام العديد من الوزراء وكبار رموز الدولة الفرنسية ومسئولي الصناعة والاستثمار تكثيفًا خلال السنوات الأربع الماضية علي نحو خاص. واستقبلت القاهرة رئيس الوزراء الفرنسي "مانويل فالس" ووزراء الخارجية. الداخلية. الدفاع. رئيس مجلس الشيوخ. والجمعية الفرنسية.