ظلت مأوي للألم منذ نشأتها أيام السلطان قلاوون.. وبدأت مستشفي العباسية للأمراض النفسية تاريخها تحت اسم "بيمار ستانات" وهو مكان كان يعالج جميع الأمراض بمختلف فروع الطب المتباينة ومن ضمنها الأمراض العقلية. ومر الزمن وتدهورت الأمور بالمستشفيات. وهجرت تدريجيا حتي لم يعد بها سوي المرضي العقليين وكان ذلك في عهد محمد علي والذي أجلاهم إلي منطقة ورش الجوخ ببولاق. ظل بها المرضي حتي عهد الخديوي إسماعيل وتدهورت أحوالهم بصورة كبيرة إلي أن قام الخديوي إسماعيل بنقلهم عام 1880 إلي قصر العباسية علي أطراف القاهرة في ذلك الوقت كان لأحد الأمراء سابقا ويسمي بالسرايا الحمراء. وفي عام 1883 التهمت النيران المبني في حريق ضخم وأتت عليه تماما إلا مبني صغير من طابقين تم طلاؤهما باللون الأصفر. وكانت هذه البداية للتسمية التي أستمرت إلي الآن في الوعي الجمعي للمصريين لما يقرب المائة عام من الزمن ألا وهي "السرايا الصفراء". وفي عام 1895 تم تعيين الطبيب الإنجليزي الدكتور وارنج مديراً للمستشفي. بعدها أخذت المستشفي شكلا نظاميا كمستشفي عقلي. فوضع أسساً لقبول ودخول وخروج المرضي من وإلي المستشفي. وأنشأ نظاما للمستشفي سارت عليه لفترة زمنية طويلة. وكان المستشفي في هذا الوقت يتبع وزارة الداخلية وليس الصحة. وقام الدكتور "وارنج" لأول مرة بإنشاء أقسام الحريم لكن علي النظام الألماني. وهي عنابر محكمة الغلق. وهنا قصة طريفة يرويها الأستاذ الدكتور مصطفي فهمي المدير السابق للمستشفي أنه أثناء قيامه بأعمال التجديدات للمستشفي اكتشف أجزاء من المباني الأصلية التي بنيت علي النظام الألماني ببراعة هندسية مذهلة فرفض هدمها ابقاء التراث الفريد. وبمجرد تجولك داخلها تجد صور الدراما الإنسانية تصنع ملحمة من الألم الصامت بين جدران هذه التي لا يتقبل المجتمع مرضاها. برغم احساسه بالشفقة تجاههم.. علي البوابة الرئيسية تجد جديه علي وجوه أفراد الأمن. المرتدين زياً أزرقا عليه اسم المستشفي.. فيما لم تنعكس حالة الرفض الاجتماعي من الناس للمرضي وحدهم. ولكن امتدت كذلك للعاملين بالمستشفي.. فحكت عفاف إحدي الممرضات. عن خجلها من العمل في هذا المكان. رغم أنها تعودت عليه. ورغم جو الألفة الذي نشأ بينها وبين النزيلات. والسبب هو مضايقات الجيران والأقارب بأنها تتعامل مع "المجانين". وتتقاضي راتبها من "السرايا الصفراء". وهو ما يجعلها تتمني أن تنتقل إلي مكان آخر ينقبله الجميع. وقالت إنها لا تنزل يومياً من الأوتوبيس أمام المستشفي. حتي لا ينظر إليها الركاب علي أنها مريضة أو جاءت لزيارة أقاربها. موضحة أننا كمجتمع تعودنا علي أن نعاقب من خرج من السجن ثم تاب الله عليه. بألا نغفر له توبته. وكذلك المرضي النفسيون الذين صورتهم السينما بأنهم "شيء" وحتي. بعد تماثلهم للشفاء لا ينسي الناس أنهم كانوا "مجانين". ومن جانبه أكد رضا الغمراوي. مدير مستشفي العباسية للأمراض النفسية. أن الإعلام يتحمل مسئولية تشوية صورة المرضي النفسيين. مبيناً أن المرض النفسي يمكن علاجه. وليس وصمة عار في جبين الأسرة كما يعتقد المجتمع. فنحن نتعامل مع المرضي علي أنهم مرضي نفسيون. وليسوا مجانيين. ويجب علي المجتمع أن يتقبلهم ويتعامل معهم علي هذا الأساس. ولهذا نقوم بعمل حملة مكبرة داخل مصر ونعقد ندوات داخل المراكز والقري بالاشتراك مع الإعلام ومع الوزارة. لتوعية الناس بشأن المرض النفسي. وأضاف أن الأمراض النفسية موجودة وسط المجتمع دون أن تتلقي العلاج. علي سبيل المثال الاكتئاب والوسواس القهري والفصام. مما يؤثر علي سلوك المجتمع وتطوره بصفة عامة. ويؤدي إلي تدهور إنتاجية المجتمع. وظهور بعض السلوكيات غير السوية التي يجهل معظم الناس مصدرها. مثل العنف الزائد. وبعض الاضطرابات الجنسية. مؤكدا أن معدلات الإصابة بالأمراض النفسية في تزايد. ويرجع ذلك لزيادة أعداد السكان. والبطالة. والظروف الاقتصادية والاجتماعية. وغياب الوعي. وعن الجانب القانوني أوضح مدير "العباسية" أن قانون الصحة النفسية رقم 71 ينص في المادة 10 علي أن "المريض النفسي له الحق في الدخول بإرادته والخروج بإرادته دون استئذان أحد من أهله" والمادة 13 تنص علي أن "المريض غير المستقر والخطر علي نفسه أو خطر علي غيره والخطر علي المجتمع. يتم دخوله عن طريق أهله أو عن طريق الشرطة ولا يتم خروجه إلا عند تحسنه وعند هروبه تبلغ الشرطة فوراً"