من الأفلام التسجيلية المميزة في الدورة الأخيرة من مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة الفيلم المصري التسجيلي الطويل هدية من الماضي.. الذي كان مشروع تخرج المخرجة الشابة كوثر يونس . والذي تفاجئك مشاهده الأولي باهتزازالصورة وبينما تبدأ في التعجب يفاجئك توضيح مكتوب بأن الفيلم تم تصويره بكاميرا خفية . وهو ما يبرر بالتالي اهتزاز الصورة ويغفره لكنك تبقي متعجبا وراغبا في استكشاف ما استدعي ذلك وكيف استطاعت المخرجة تنفيذه في فيلم طويل 78 دقيقة .. هكذا صنع الفيلم تشويقه قبل أن يبدأ . كوثر يونس وهي المخرجة إبنة الدكتور مختار يونس الأستاذ بالمعهد العالي للسينما . ومن الواضح أنها الإبنة المدللة والصديقة لأبيها كما بدا في الفيلم . تعرف منذ وقت طويل من أبيها بأن هناك من يسكن ماضيه وما زال يشغل حيزا في نفسه وعقله » هي باتريشيا حبيبته الإيطالية القديمة التي عرفها أثناء إقامته في إيطاليا في شبابه وكانت تراه أمير أحلامها .. باتريشيا التي ما زال يذكرها ويوجعه عدم إتمامه وعده لها بالعودة والزواج ويتمني لو يعتذر لها عن ذلك ويوضح أسبابه . فتقرر كوثر أن تهدي والدها في عيد ميلاده رحلة لهذا الماضي حيث تحجز تذكرتي طيران لها ولوالدها للبحث عن باتريشيا بعد ثلاثين عاما من الفراق. الفكرة في أساسها تنجح في إثارة انتباه المشاهد .. فهناك ابنة تساعد أبيها علي اللقاء بامرأة من ماضيه . وهذه الإبنة تصوره دون أن يعلم ليصنع ذلك بحد ذاته حجر أساس للتصاعد الدرامي الذي لم يكتب ولم يخطط له بل تركت المخرجة للأحداث صياغته . فيبقي المشاهد مترقبا لرد فعل الأب ومتشوقا لمعرفة إن كانت الرحلة ستتم أم لا ؟ وهل سينجحان حقا في الوصول لباتريشيا ؟ وهل يحتمل هذا الأب السبعيني مشقة هذا البحث ؟ هل سيكتشف أمر الكاميرا ؟ وهل سيمكن إكمال الفيلم خفية ؟ الفيلم بوضعه هذا صار أشبه بفكرة تليفزيون الواقع الذي نراه في برامج كثيرة » فالأحداث حقيقية وطبيعية تسري دون معرفة بطل الفيلم ومحوره بأمر التصوير وآخر يخفي ذلك . وقد أصبح ذلك أساسا لطبيعة الفيلم فالكادرات بزواياها الثابتة غالبا التي قد تضيق أو تتسع حسب المتاح بالكاد تكفي لظهور شخص واحد أو مع جزء من الآخر . ولا استخدام لإضاءات خاصة أو تدخل في الإضاءة ودون أيضا تعليق صوتي من المخرجة أو موسيقي تصويرية . فالأمر بدا تلقائيا تماما مكتفيا بثراء المواقف والحوار الذي كان أبرز العناصر في الفيلم فقد كان طبيعيا شيقا مرتاحا محببا بتلقائية واضحة يبين علاقة صداقة جميلة بين أب له حضور . وابنته المشاكسة بخفة ظل وصراع ومناوشة في كثير من الأوقات كانت تتصاعد حدتهم لتهدأ من جديد . فالأب يقاوم من آن لآخر للفكرة ويتمرد علي بعض تحكمات أو تصرفات ابنته مما شكل خيط صراع درامي جانبي يشَد أحيانا ثم يُرخي . بالإضافة للخط الدرامي الأساسي وهو البحث عن باتريشيا . مع تبني الفيلم لشكل السرد التقليدي المنطقي . وهو مناسب لفيلم بدأ ولا يعلم ما سوف يأتي باعتبار الأحداث واقعا ينساب دون وجهة نظر أو تدخل » فهناك بداية يليها وسط فنهاية . ورغم تصوير معظم الفيلم بكاميرا خفية اتضحت هزاتها وحركاتها العشوائية . أوجدت المخرجة مبررا للتصوير الطبيعي بالاتفاق مع الأب لتوثيق لحظات الرحلة فتمكنت بذلك من تصوير المحيط العام والأماكن بارتياح وحتي اللقاء الأخير بين الأب وباتريشيا . فقد تركت كوثر الأحداث الطبيعية تروي الحكاية ونجحت في جعلها مشوقة متزنة الإيقاع فيما عدا بعض مشاهد الرحلة وتفاصيل كان يمكن الاستغناء عنها . أما الحكاية فجزء من جاذبيتها أن في حياة الكثيرين قطعا يوجد ل باتريشيا مرادفين ومرادفات دون توقع لقاء ثان أو ما يحدث به . فأرانا فيلم كوثر يونس قصة حية تثير الفضول الإنساني اختارت إنهاءها بمشهد يفتح تأويلات مختلفة . فالنهاية بمشهد للأب في رحلة الرجوع بعد إتمام اللقاء فتحت قوسا جديدا يحمل سؤالا كالنهاية المفتوحة حفزه تعبير وجه الأب الشارد ولمعة عينيه بأثر دمعة »تري هل أسعده اللقاء أم أحدث وجعا أعمق ؟!