وافق يوم الأربعاء الماضي 9 ديسمبر . ذكري اليوم العالمي لمكافحة الفساد الذي أعلنته الأممالمتحدة من أجل رفع الوعي بمخاطره وكيفية منعه. وذلك فقاً للاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد. والتي وقعت عليها مصر عام 2005. ولم يهتم أحد في مصر بهذا اليوم إلا القلة القليلة من الكتاب والمفكرين والاعلاميين والمسئولين . وكأن الفساد أصبح ظاهرة سائدة في بلدنا علي الجميع معايشته بعد أن عجزنا عن مقاومته. والتساول الذي يطرح نفسه ويجب علينا مناقشته بجدية هو : لماذا نعجز عن مكافحة الفساد أو علي الاقل الحد منه؟! ولماذا تنخفض معدلاته في غالبية دول العالمپ بينما تتزايد في مصر؟!. وهذا ما تؤكده الاحصائيات الموثقة التي تكشف تدهور ترتيب مصر في مؤشر مكافحة الفساد الذي تصدره سنويا منظمة الشفافية الدولية . فبعد أن كان ترتيبنا رقم 54 عام 2001 من بين 177 دولة عام . تراجعنا إلي المركز 94 عام 2014. والاسوأ أن مصر تحتل المركز العاشر عربيا في قائمة الدول التي تعمل علي محاربة الفساد. وتشير احصائيات اخري إلي أن مصر تلتزم ب 10 بنود فقط من بنود الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد البالغ عددها 71 مادة. وتتضارب الارقام حول تكلفة الفساد . فطبقا لبيانات الجهاز المركزي للمحاسبات فإن الفساد يكلف الاقتصاد المصري أكثر من 200 مليار جنيه سنويا . بينما احصائيات المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد تكشف أن الفساد في مصر يهدر 800 مليار جنيه سنويا. ويري الدكتورعادل عامر أن المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد في مصر يشوبها عيوب تقلل من فاعليتها علي الرغم من كثرة الأجهزة الرقابية حيث تبلغ 19 جهازًا وهيئة . فهي تتبع جميع الأجهزة التنفيذية مما يؤثر علي إستقلاليتها باعتبار أن السلطة التنفيذية سوف تكون هي المراقب ومُراقبه في نفس الوقت مما يخالف المبادئ الرقابية السليمة.پ فنجد أن الجهاز المركزي للمحاسبات يتبع رئاسة الجمهورية . والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة يتبع رئاسة مجلس الوزراء . هيئة الرقابة الإدارية تتبع رئاسة الوزراء . هيئة النيابة الإدارية تتبع وزارة العدل. إدارة الكسب غير المشروع تتبع وزارة العدل . جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكارات يتبع وزارة التجارة والصناعة. جهاز حماية المستهلك يتبع وزارة التجارة والصناعة . هيئة الرقابة المالية الموحدة تتبع رئاسة الوزراء. ومن الاسباب أيضا عدم المعرفة الكافية بالجهات الرقابية. فعلي الرغم من تعددها إلا أنها ليست معروفة لدي جميع المواطنين . ففي دراسة أجراها مركز العقد الاجتماعي عام 2009 بين أن 4% فقط هم من لديهم معلومات عن الهيئات الرقابية . أما الدكتور عاصم عبد المعطي رئيس المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد. فيدعو إلي ثورة قانونية لإلغاء القوانين المقننة للفساد . وإصدار بعض القوانين الخاصة بمحاربة الفساد المؤجل صدورها منذ مايزيد علي 40 عاماً. ويتحدث المراقبون والخبراء عن اشكال متعددة للفساد منها الفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والاعلامي والتعليمي والاخلاقي والديني . ولكنني اتفق تماما مع وجهة النظر القائلة بان الاستبداد هو الفساد الأكبر فمن ينهب ويحتكر مورد الأمة الأكبر ويستأثر به پفلن يعف عن موارد أخري أقل أهمية وسيكون متمكنا من ذلك لغياب الرقباء والشركاء ولأن كل شيء تحت سيطرته.پ ونظرا للمخاطر الكبري للاستبداد ربطه المفكر الراحل عبد الرحمن الكواكبي بموت البشر فألف كتابا بعنوان "طبائع الاستبداد ومصارع العباد". ولا يمكن للمستبد أن يحارب الفاسدين . فالمستبد هو بحد ذاته حالة فساد كبري. وفاقد الشيء لا يعطيه. والفساد بالنسبة للسلطة المستبدةپ يعد من مغذيات استمرارها وهو وقود حركتها وبقائها لذا فرعاية الفساد هي جزء من منهج الاستبداد.پ وبحسب دراسةپ بعنوان "ثنائية الاستبداد والفساد" نشرها موقع الشبكة العربية العالمية . تصبح العلاقة بين الفساد والاستبداد عضوية. ويصبح كل شخص أو هيئة أو فئة غير فاسدة عدواً لسلطة الفساد. التي تبني شبكة أخطبوطية لحماية نفسها. وترويع من يتجرأ علي انتقادها. ويصبح أي تغيير أو إصلاح بمثابة نافذة تهدد مصالح الفاسدين المحميين بآلة القمع السلطوية. التي تعمل علي نشر ثقافة الفساد وتقديس السلطة التي تحميه. يساعدها في ذلك وسائل الإعلام التي تهيمن عليها. وأبواق بعض المثقفين وأصحاب الأقلام المأجورة, التي تصور الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي علي أنّه في أفضل حال. وتطرقت الدراسة الي نتيجة خطيرة لفترات الاستبداد الطويلة پتتمثل في ظهور ثقافة جديدة مشوهة تعطل مفاعيل القوة والجدية في المجتمع. إن أنظمة الاستبداد لا تهدر إمكانيات البلد المادية . بل انها تطيح بالعقل الفعال وتشله وتحول الناس إلي آلات حديدية مطوعة بلا مشاعر ولا خيال مبدع ولا قدرة علي التصور والتخطيط والمبادرة. واذا كان الاستبداد هو الفساد الأكبر . فإن الجهل هو الأب الشرعي للاستبداد. والعنصر الفاعل في إمداد جسد المستبِد بكل مقومات الحياة والاستمرار . ففي الدولة المستبدة تتحول مؤسسات التعليم رسالة العلم عن إثارة التفكير النقدي العقلاني لعلاج المشكلات التي يواجهها المجتمع إلي الحفظ والتلقين دون وجود أي مجال للمناقشة والعصف الذهني والتفكير الإبداعي . مما يؤدي إلي تغييب الوعي عبر تشجيع ثقافة الخنوع والعجز والتواكل.