هل كان تنظيم داعش الارهابي يقصد. وهو يقتل 21 مصريا. أن يظهر للعالم نموذجا فذا لصلابة وكبرياء وقوة إيمان عينة من المصريين البسطاء العزل في مواجهة الموت.. وأين.. علي أرض ليبيا التي رأي شعبها يوماً زعيمه السابق القذافي بكل جبروته. وهو يستعطف قاتليه قبل أن يطلقوا عليه الرصاص.. كي يتركوه حيا؟! بالطبع لا.. لكنه حدث. هل كان تنظيم داعش الارهابي يقصد. وهو يقتل 21 مصريا. أن يوحد الشعب المصري كله بمسلميه ومسيحييه علي قلب رجل واحد. وأن يخلق بجريمته حالة فريدة من التلاحم الوطني حول هدف واحد هو الثأر لكرامة مصر. والقصاص للشهداء والقضاء علي الارهاب؟! بالطبع لا..لكنه حدث. هل كان تنظيم داعش الارهابي يقصد. وهو يقتل 21 مصريا. أن يكشف للمصريين. وللعالم كله عن مدي قوة الجيش المصري واستعداده القتالي. الذي جعله قادرا. وهو يخوض غمار مواجهات يومية ضد الارهاب علي كافة الاتجاهات الاستراتيجية في الداخل. أن يمد ذراعه الطويلة. لتصل إلي معاقل التنظيم في ليبيا. وتدكها بضربة جوية مركزة تضاعف من التفاف الشعب حول جيشه. ومن اطمئنان كل عربي يتطلع إلي هذا الجيش كدرع وسيف لكل العرب؟! بالطبع لا.. لكنه حدث. هل كان تنظيم داعش الارهابي يقصد. وهو يقتل 21 مصريا. أن يعزز ثقة المصريين في قيادة السيسي. وفي مصداقيته. وأن يرتفع بشعبيته إلي السماء. بعد أن رآه المصريون في خطاب منتصف الليل وهو يعدهم بالثأر والقصاص لشهدائهم. واستيقظوا في الصباح ليجدوه قد أوفي بوعده بضربة سابقة التخطيط والاعداد والتجهيز. وفي أسرع وأوجع رد. بما يؤكد أن الرجل. والقوات المسلحة تتحسب لكل الاحتمالات بالخطط والقرارات؟! بالطبع لا.. لكنه حدث. هل كان تنظيم داعش الارهابي يقصد. وهو يقتل 21 مصريا. أن يحشد لمصر - وقبل أسابيع قليلة من موعد انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي العالمي - كل هذا القدر غير المسبوق من التعاطف الدولي معها ومع شهدائها الأبرار. وأن تتسابق الدول الشقيقة والصديقة لعرض استعدادها لدعم مصر بكل ما تحتاجه في معركتها ضد الارهاب ومن أجل البناء؟! بالطبع لا.. لكنه حدث. هكذا يتأكد القول المأثور: رب ضارة نافعة. ويتحقق في الدواعش قول المولي عز وجل في كتابه الكريم "ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله" - صدق الله العظيم بينما تأتينا نحن رسالته: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين". نعم.. لقد دفعنا ثمنا غاليا. هو دماء 21 شهيدا مصريا.. لكن. يكفي هؤلاء الشهداء مجدا أنهم من صنعوا بتضحيتهم كل هذه النتائج.. لقد ارتفعوا فارتفعت بهم مصر. إن التاريخ. خاصة تاريخ حربنا ضد الارهاب. سوف يتوقف طويلا أمام أربعة مشاهد أو أحداث ما بين ليل الثلاثاء الماضي ونهاره. لأنها حولت مزاج المصريين من قمة الاحساس بالحزن والغضب. بل والاهانة. إلي قمة الاحساس بالعزة والفخر والكبرياء. كانت المشاهد. أو الأحداث. بالترتيب. علي النحو التالي: * فيديو إعدام المصريين علي يد تنظيم داعش الارهابي في ليبيا. * الرئيس السيسي في خطاب منتصف الليل. وهو يرأس اجتماعا طارئا لمجلس الدفاع الوطني ويعلن أن مصر تحتفظ لنفسها بحق الرد في الوقت وبالأسلوب المناسبين. ثم يطلب من المجلس أن يصحو المصريون في الصباح علي خبر الثأر. بطائرات سلاح الجو المصري تدك معاقل داعش في ليبيا عند الفجر وتعود سالمة بعد أن ألحقت به خسائر فادحة أعلنها الجيش الليبي رسميا بنفسه. وبتنسيق مع القوات المسلحة المصرية. * مشهد الختام.. السيسي وهو يشهد توقيع عقد تزويد الجيش المصري بصفقة طائرات فرنسية متطورة. بالاضافة الي فرقاطة بحرية. وذلك بين وزير الدفاع المصري. ونظيره الفرنسي الذي جاء معه رؤساء مجالس إدارة الشركات الفرنسية المنتجة للطائرة والفرقاطة وتجهيزاتهما. إنها عبقرية تحويل لحظة الحزن والألم. إلي لحظة للعمل وطاقة للأمل. ولا بأس من مشهد خامس. لكنه هزلي. حيث يظهر في الخلفية الرئيس المعزول محمد مرسي في جلسة محاكمته في ذلك اليوم. وهو يصيح من وراء قفصه الزجاجي: أنا رئيس الجمهورية.. ولا أعترف بالمحكمة..! ہ ہ ہ بين "ما كان". وما سيكون. أو يمكن أن يكون. لابد من وقفة لتدبر مواقع خطواتنا القادمة. إن "ما كان". يمثل نموذجا يستحق الاشادة. في الاستخدام الأمثل للقوة العسكرية المصرية خارج الحدود. بعملية محدودة. هدفها الرد السريع الرادع. في إطار حق الدفاع الشرعي الفردي. الذي يكفله القانون الدولي. وينص عليه ميثاق الأممالمتحدة. في مواجهة خطر أو تهديد فعلي وليس مجرد تهديد محتمل. هذا النموذج. هو "الخيار الوسط" ما بين الإمساك عن التدخل العسكري خارج الحدود خوفا من المخططات التي تستهدف استدراج الجيش المصري بالذات خارج أرضه. لتوريطه في مواجهات أو حروب خارجية إلي جانب حربه الداخلية. لتشتيته والقضاء عليه.. وبين التورط الفعلي في هذه المواجهات. من هنا. يظل هذا الخيار الوسط هو الخيار الأمثل في هذه الظروف.. عملية أو بضع عمليات عسكرية محدودة وسريعة خارج الحدود.. سواء استباقية لإجهاض ضربة محتملة ضدنا. أو لاحقة للرد علي ضربة تحققت. وبصورة تعكس قوة العسكرية المصرية. وتحفظ هيبة الدولة المصرية وكرامة مواطنيها في الداخل والخارج. لقد اتفقنا - كمصريين - علي أننا نخوض "حرب وجود" وقد خضناها. ومازلنا. داخل الحدود.. وواضح أننا مضطرون أن نخوضها خارج الحدود.. ولكن يجب أن يكون ذلك أيضا.. في حدود. حينما كانت أمريكا تشكل تحالفها الدولي للحرب علي إرهاب داعش في العراق وسوريا. مارست ضغوطا كبيرة علي مصر للاشتراك في التحالف. وقالت مصر كلمتها في ذلك الوقت. إنها تؤيد التحالف. لكنها ليست في حاجة للاشتراك في تحالف دولي لكي تحارب الارهاب. فهي تحاربه يوميا علي أرضها. وهذا هو إسهامها الفعلي في الحرب الدولية ضده. وعلي من يريد الحرب علي الارهاب حقا أن يدعمها فيما تقوم به. ويبدو أن استبعاد "داعش ليبيا" من خريطة التحالف الدولي في حربه ضد إرهاب هذا التنظيم. كان ردا علي هذا الموقف المصري لوضع مصر بين خيارين.. إما أن تواجه إرهاب داعش ليبيا بمفردها وهو ما يحدث حتي الآن. أو تتراجع عن موقفها وتنضم للتحالف الدولي بقيادة أمريكا. ولذلك. أتوقع أن تغمض أمريكا عينيها وتصم أذنيها عن الخيار الثالث الذي عرضته مصر هذا الأسبوع عقب جريمة ليبيا. وهو دعوة أمريكا لتوسيع نطاق حرب تحالفها الدولي ضد تنظيم داعش لتشمل دواعش ليبيا ولا تظل قاصرة علي دواعش العراق وسوريا فقط. وقد كان رأيي الذي سجلته في هذا المكان عند إطلاق أمريكا دعوتها لتشكيل التحالف الدولي ضد إرهاب داعش. أن هذه الدعوة تمثل مسرحية هزلية. ودعوت يومها إلي عدم انضمام مصر إلي هذا التحالف. فكيف نصدق أن من صنع الارهاب وجعله رأس حربة تمهد له احتلال الدول والتدخل في شئونها أن يقود تحالفا لمحاربته. وقد أثبتت الأيام صدق هذه الرؤية.. فبعد شهور من تشكيل التحالف وانطلاقه.. ومئات الغارات الجوية التي شنتها طائراته بقيادة أمريكا ضد دواعش العراق وسوريا لا يبدو أن التنظيم قد تأثر كثيرا أو ضعف.. بل هو. شأن تنظيم القاعدة خلال أربعة عشر عاما من الحرب الأمريكية الدولية ضده. مازال يتمدد وينتشر. ويصل ويتمركز في مواقع لم يكن له فيها من قبل وجود. ولذلك. فالاعتماد علي هذا التحالف. أو الانضمام إليه. لن يجدي كثيرا بالنسبة لمصر. كذلك فإن الدعوة إلي تدخل عسكري دولي في ليبيا. سواء بتفويض من مجلس الأمن أو بدونه لا تمثل - في رأيي - توجها صائبا. تجارب التدخل العسكري الدولي خلال الخمسة عشر عاما التي انقضت حتي الآن من القرن الحالي. لا تبشر نتائجها بأي خير. ولا تركت لنا نموذجا يحتذي. سواء في أفغانستان أو في العراق.. ربما قضت علي خطر قائم. لكنها خلقت بعده أخطارا أسوأ.. أسقطت أنظمة وهدمت دولا.. وأقامت أنصاف أنظمة في أشباه دول لم تنعم أبدا بالاستقرار. بل إن ما نعاني منه في ليبيا اليوم. وتعاني منه ليبيا نفسها. إنما هو نتاج تدخل عسكري دولي قاده حلف الأطلنطي - الناتو - بتفويض إقليمي من جامعة الدول العربية. ودولي من مجلس الأمن. وتكرار السيناريو نفسه سيأتي بنفس النتيجة. وليس بنتيجة مختلفة. وأذكر أنني عندما أنهي حلف الأطلنطي مهمته في ليبيا كتبت في هذا المكان أقول: الآن تبدأ مشكلة ليبيا.. وللأسف فإن الحلف يتنصل الآن من مسئوليته عما آلت إليه الأوضاع في ليبيا. ويحمل مسئوليتها للمجتمع الدولي. أفضل صورة للحرب الدولية ضد الارهاب. في رأيي. تتحقق من خلال التنسيق المعلوماتي والدعم السياسي والاقتصادي والعسكري بين دول العالم المختلفة. بما يحقق لكل دولة القدرة علي مواجهة الارهاب علي أرضها أولا. ولكل دول اقليم أو منطقة جغرافية تشكيل قوة اقليمية مشتركة تتناوب الدول الأعضاء فيها قيادتها. حتي تحتفظ كل دولة. وكل منطقة جغرافية بحق تقرير مصيرها بنفسها دون تدخل أجنبي مباشر.