في الوقت الذي تخوض فيه مصر حروبها الشرسة ضد الإرهاب، وتقوم قواتها المسلحة بحصار العصابات التكفيرية الإجرامية لاستئصالها في سيناء. تواصل الدولة عملية البناء، وتمضي في خطوات استكمال التنظيمات الدستورية وفقاً للخطة الموضوعة لمرحلة الانتقال، وخلال الأسبوع الماضي كانت هناك عدة علامات على الطريق: اجتازت مصر الاختبار الصعب في اجتماع مجلس حقوق الإنسان في جنيف. حيث وقفت أكثر من مائة دولة في صف مصر بعد أن قدمت ما تم إنجازه في هذا المجال خلال السنوات الماضية في ظل ظروف صعبة فيها ثورتان، وبالطبع كان هناك من هاجم واستعدى، وفي مقدمتهم أميركا وبريطانيا ومعهما تركيا التي لم تتحدث عن حقوق الإنسان، بل عن حقوق «الإخوان» وحلفائهم من عصابات الإرهاب في أن يحاكموا المصريين.. أو يقتلوهم!! أعلن الرئيس السيسي أن الانتخابات البرلمانية ستتم قبل منتصف مارس القادم، ومنهياً بذلك الجدل حول هذه القضية، ومؤكداً أن استكمال خريطة الطريق التي وضعتها قوى الشعب في أعقاب ثورة يونيو هو أمر له الأولوية. في نفس الوقت كان الرئيس السيسي يبدأ في استكمال تشكيل الجهاز المعاون له في مؤسسة الرئاسة. فيقوم بتعيين اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية السابق الذي أقاله الإخوان بعد رفضه إطلاق النار على المتظاهرين في أحداث «الاتحادية» مستشاراً لشؤون مكافحة الإرهاب. كما تم تعيين الوزيرة السابقة والدبلوماسية القديرة فايزة أبو النجا مستشاراً للأمن القومي لتكون أو سيدة تتولى هذا المنصب بالغ الأهمية، والذي لم يتوله قبل إلا رجل المهام الصعبة حافظ إسماعيل في عهد الرئيس الأسبق السادات، حيث عاصر حرب أكتوبر. وبعده لم يشغل المنصب أحد وإن كان حسني مبارك قد فكر في أن يعين اللواء عمر سليمان في هذا الموقع. الرد على هذه الخطوات لم يتأخر. في الولاياتالمتحدة الأميركية بدأت حملة هجوم على فايزة أبو النجا واصفة تعيينها في موقعها الجديد بأنه صفعة لإدارة أوباما، وذلك على خلفية الأزمة التي ثارت حينما كانت الوزيرة أبو النجا مسؤولة عن التعاون الدولي وأصرت على إخضاع بعض المنظمات الحقوقية الأميركية العاملة في مصر للقانون. وهي الأزمة التي انتهت بالإفراج عن المتهمين الأجانب في هذه القضايا وسفرهم للخارج بعد ضغوط هائلة مارستها الحكومة الأميركية وإن بقيت القضايا أمام القضاء. ملابسات هذه القضية (وبعضها لم يكشف عنه كاملاً) لا تتعلق بعمل المنظمات الحقوقية، وإنما بسيادة الدولة وأمنها القومي. حيث كان جوهر الخلاف هو إصرار الإدارة الأميركية على أن تقوم بتمويل نشاط بعض المنظمات الأجنبية أو المحلية بعيداً عن أي رقابة قانونية من جانب السلطات المصرية المسؤولة. موقف فايزة أبو النجا في هذه القضية كان امتداداً لمواقف سابقة لها أثناء تمثيلها لمصر في العديد من المواقع الدولية، والهجوم الأميركي المبكر على مستشارة الأمن القومي فايزة أبو النجا ينبع أساساً من أن اختيارها (فوق دلالاته الإيجابية بالنسبة للمرأة المصرية) هو تأكيد على أن استقلال القرار المصري هو حجر الزاوية في سياسة الرئيس السيسي، وهو رسالة بأن الضغوط الأميركية التي نجحت في فترة سابقة في التدخل بالشأن المصري لم يعد لها مكان. ولا شك أن الإدارة الأميركية قد فهمت الرسالة، وسوف تحسن صنعاً إذا حولت هذا الفهم إلى تفاهم تحتاجه كل الأطراف وخاصة أميركا التي تدرك جيداً أن تحالفها مع «الإخوان» ودعمها لهم قد أفقدها الكثير، وأن تصحيح الخطأ يحتاج لسياسات جديدة تنطلق من إدراك أن زمن (99% من أوراق اللعبة في يد أميركا) قد انتهى إلى الأبد. الرد الآخر من كتائب الإرهاب التي تعمل ضد مصر وشعبها. و«داعش» من جانبها ترسل بيانات التأييد، وتهدد بالانتقام. العمليات الإرهابية الأخيرة (وخاصة معركة كرم القواديس في سيناء) تثبت التعاون الوثيق بين«الدواعش»، وتؤكد أنهم جميعاً يعملون وفق مخطط واحد، ويخرجون من جحر مسموم أنشاه «الإخوان» قبل ثمانين عاماً، ومازال ينتج مختلف الثعابين السامة وإن اختلفت اللافتات التي ترفعها، أو تقاتلت أحياناً فيما بينها علي الغنائم أو تفرقت بها السبل وهي تمارس الخيانة للوطن والإساءة للإسلام والعداء للعروبة. لم يكن في إعلان «أنصار بيت المقدس» المبايعة لعصابة «داعش» أي مفاجأة بالنسبة للدولة أو الشعب في مصر التي أعلنت منذ البداية أن الإرهاب واحد، وأن محاولة حصره في «داعش» فقط كما تقول أميركا هو محاولة فاشلة ومشبوهة، وأن التركيز على العراق بينما يجري تدمير سوريا وتوطين الإرهاب في ليبيا واليمن وتهديد أمن مصر، وشمال افريقيا ودول الخليج.. هو أمر ليس له من وصف سوى التآمر، خاصة إذا كان ذلك جرى في ظل صفقات كبرى تتم على حساب العرب، مع القوى الإقليمية الأخرى (إيرانوتركيا وإسرائيل). مصر تقاتل، وستنتصر، لكننا لن نمل من المطالبة بتحالف استراتيجي عربي.. يواجه الإرهاب، ويتصدى لمخططات التقسيم، ما أنجزه تحالف مصر مع الإمارات والسعودية والكويت يقدم نموذجاً يحتذى. ما نراه الآن يؤكد أن الإرهاب -مهما تعددت عناوينه- واحد. وأن حربنا ليست ضد «داعش» واحدة.. بل ضد «دواعش» انطلقوا من فكر «الإخوان» قبل ثمانين عاماً، ولا تفرقهم إلا صراعات على من يكون له اليد العليا في قطع الرؤوس وذبح الأبرياء واغتيال الأوطان. نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية