صدر الحكم ببراءة مبارك ونجليه من بعض التهم الجنائية التي كان يحاكم بسببها مثل تلقي الرشوة من رجل الأعمال الهارب حسين سالم "خمس فيلات في شرم الشيخ" في قضية التربح من بيع الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل "بسعر التراب" لسبب لا يمت لواقعة الرشوة المؤكدة بصلة هو "انقضاء الدعوي الجنائية بمضي المدة" وليس لأنه لم يرتش لا سمح الله! وكذلك استند الحكم في قضية قتل الشهداء التي شهدت براءة حبيب العادلي وستة من مساعديه إلي أسباب مشابهة. لأن أساطين القضاء الجنائي في تسع محافظات قد أصدرت حكمها بالبراءة لمرءوسي هؤلاء المتهمين من الضباط في قضايا قتل المتظاهرين مما يتعين براءتهم!! هذا أشبه ببراءة تاجر مخدرات معروف للكافة لضابط مباحث القسم وللمخبرين وللمتعاطين ولأهل "الحتة" بل ولعابري السبيل أيضاً: من يكون؟! وماذا يفعل؟!.. وحينما يلقي القبض عليه يتم العبث في "الأحراز" فلا يجد القاضي مفرا حينما يقدم إلي المحاكمة من أن يخلي سبيله وهو آسف أشد الأسف! غير ان ما أدرجه السيد المستشار "محمود كامل الرشيدي" رئيس محكمة جنايات القاهرة التي نظرت "محكمة القرن" في كلمته قبل إعلانه الحكم ببراءة الرئيس المخلوع إنما يشير بكل وضوح إلي أن المبرئين من التهم التي وجهت إليهم هم في حقيقة الأمر مجرمون حتي النخاع ولذا طالب السيد المستشار من المشرع الجنائي المبادرة بتعديل الفقرة "15" من القانون حتي تبسط العدالة سلطانها علي كل صور الرشوة! وأضاف القاضي توصيفاً بالغ الدقة لمبارك ونظامه الذي علي حد قوله "اعتراه الوهن في سنواته الأخيرة" وعاني من بطء القرار وتهيؤ فرع منه للاستحواذ علي مقاليد الحكم وقرب الأتباع ونضب ضخ دماء جديدة علي مقاعد صارت حكراً لقيادات تناست دوران قانون عجلة الحياة وتقاتل علي ثروات مصر زمرة من المنتفعين وأصحاب المصالح والمتسلقين الأمر الذي قاد إلي تزييف الإرادة الشعبية واندثار التعليم وإهدار الصحة وتجريف العقول وهي في الواقع كلمات بليغة تمثل إدانة كاملة لمبارك ولأسرته ومعاونيه جميعاً وفي مقدمتهم نجلاه وحبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق وأدواته التي سامت شعب مصر العذاب! وكما هو معروف فلقد انتهت قبل ذلك كل محاكمات ضباط الأمن المتهمين بقتل شهداء ثورة 25 يناير دون أن يدان ولو فرد واحد لذر الرماد في العيون! والآن لننظر في المسألة من منظور آخر : لقد سقطت دفاعاً عن الثورة المئات من الشهداء فضلاً عن آلاف المصابين والجرحي ومن الطبيعي ان هؤلاء الشهداء والجرحي قد تم قتلهم وإصابتهم بفعل فاعل إذ لا يعقل أن يكونوا قد فقدوا حياتهم هكذا من دون فاعل بشري أدار عملية التخطيط لقتلهم وعملية القتل والإصابة ذاتها وليس من المتصور أن يكون قاتلهم قد هبط من المريخ وعمل عملته وطار إلي موطنه الأصلي دون أن يعثر حتي علي متسبب واحد وحسب لهذه الجريمة التي ترتب عليها قتل وإصابة آلاف مؤلفة من المواطنين وكلهم سقطوا أمام مئات الآلاف وربما ملايين المتابعين وبعضهم ارتكب جريمته وهي مسجلة "صوت وصورة" كما يقولون! فإذا كان مبارك وزبانيته أبرياء من دم الضحايا فمن قتل الشهداء وأصاب الضحايا إذن؟! هذا سؤال علي درجة عالية من الأهمية تحتاج مصر إجابة واضحة كل الوضوح عليه. هل جماعة الإخوان الارهابية كما أعلن البعض ومنهم مسئولون كبار هي المجرم؟! ليكن. ما الذي يمنع من إعلان هذا الأمر رسمياً وتقديم كل القرائن والأدلة التي تؤكد صدق هذا الاتهام والدولة تخوض معركة وجود ضد هذه الجماعة وأشياعها من القتلة والمخربين وتملك كل السلطات التي تتيح لها إثبات ذلك. إن كان صحيحاً؟! وإن لم يكن هذا الأمر صحيحاً وحبيب العادلي ورجاله ومن خلفهم مبارك أبرياء كما يقال لنا فمرة أخري : من قتل وأسقط آلاف الشهداء والضحايا؟ سؤال منطقي لابد من اجابة صحيحة ومقنعة وسريعة عليه وحذار أن يتصور البعض في السلطة ان حكم البراءة يعني إغلاق هذا الملف وطي صفحته إلي الأبد فسيظل هو وملف فساد نظام مبارك واستبداده مثل الجرح النازف الذي ينزف قيحا وصديدا وسيبقي سبباً للاضطرابات والقلاقل ومحلاً للاستغلال والمزايدات بالحق وبالباطل مهما تصور البعض غير ذلك!.