* "هي عادتنا ولا حنشتريها"؟!.. لا.. هي عادتنا.. نذهب دائماً إلي الاتجاه الذي ثُرنا عليه ورفضناه.. عود علي بدء.. نعود إلي النقطة "صفر".. وإلي المربع الأول.. نلعب بنفس الأوراق القديمة وندعي أنها لعبة جديدة.. "هو بغباوته وشكله العكر".. نفس التكويش والتمكين. وإن اختلف المكوشون.. نفس سرقة الإنجاز وسرقة الفرح.. نفس الكرسي في نفس الكلوب.. ينزل تيار الإخوان. يركب تيار الناصريين.. والإخوان والناصريون وجهان لعملة واحدة.. أو هما قُطبان متشابهان.. لذلك هما متنافران.. والإخوان والناصريون متشابهون في كل شيء تقريباً.. فكل منهما تيار حول سلطة.. وليس تياراً حول فكرة أو مشروع.. الإخوان تيار بلا مشروع.. والناصريون تيار بلا مشروع.. فالمشروع الإسلامي. ومشروع النهضة. ومشروع الإسلام هو الحل. كلها وهمية.. هي شعارات لا مشروعات. أو هي مسوغات وأوراق مزورة من أجل الفوز بالسلطة. وتمكين الإخوان.. والمشروع الناصري مجرد عدة شعارات ماتت بموت عبدالناصر.. فلا حرية ولا اشتراكية. ولا وحدة. ولا بقي شيء من كل ما فعله أو قاله عبدالناصر.. ربما بقي شيء مما قاله. لكن لم يبق شيء مما فعله. والإخوان والناصريون لا يمكن التحاور معهم. لأن مَن ليس معهم فهو ضدهم.. وهم عَبَدَة نصوص وتابوهات يفسرونها علي هواهم. ويعبدون تفسيراتهم.. بل إنهم يسرقون من النصوص ما يخدم توجهاتهم.. فهم لصوص نصوص. سواء كانت نصوصاً دينية أو وضعية.. فالإخوان ومَن لفّ لفهم. ودار في فلكهم. يُكَفِّرون من يخالفهم.. والناصريون يرمون بالخيانة مَن خالفهم. ولأن التيارين متشابهان. فإنهما يكرهان بعضهما كراهية التحريم.. والإخوان سرقوا ثورة. أو وكسة 25 يناير وركبوها وساقوها إلي حيث كرسي الحكم والتمكين.. والناصريون يوشكون علي سرقة ثورة 30 يونيه. وتحويلها إلي وكسة وركوبها إلي حيث السلطة والتكويش. وعندما حكم الإخوان وكوشوا. كنت أتوقع قراراتهم قبل اتخاذها. وأفعالهم قبل فعلها. وتوجهاتهم قبل إعلانها.. ولم يُخيبوا ظني أو توقعي مرة واحدة.. وعندما هَمَّ الناصريون بمصر 30 يونيه. وهَمَّتْ بهم. أمارس معهم الآن نفس هوايتي التي مارستها مع الإخوان. وهي توقع ما سيحدث. وما سيفعلون.. ستري علي رأس كل مؤسسة من مؤسسات الدولة ناصرياً أو مدعياً للناصرية.. كما رأينا علي رأس كل مؤسسة من قبل إخوانياً أو مدعياً للأخونة. لن يكون هناك مساس بنسبة الخمسين في المائة للعمال والفلاحين في المجالس النيابية. لأن النص مقدس. باعتباره نصاً ناصرياً بصرف النظر عن واقعيته وجدواه.. لا يمكن أن تقنع ناصرياً بأن النص لم تعد له جدوي ولا معني.. فقد كان النص بديلاً للأحزاب. ولم يعد له معني في ظل الحياة الحزبية.. وكان النص منطقياً في ظل وجود واضح للعامل والفلاح في العهد الناصري.. أما الآن فلم يعد هناك وجود حقيقي للعامل أو الفلاح.. وهناك مليارديرات يترشحون علي أنهم عمال أو فلاحون.. كما أن هناك أجيالاً الآن من أبناء الفلاحين والعمال الذين نالوا أعلي الدرجات العلمية وينبغي النظر إليهم باعتبارهم عمالاً وفلاحين مثقفين أو علي علم. "لكن تقول لمين؟!".. الإخوان عَبَدَة نصوص. والناصريون عَبَدَة نصوص.. يعني مثلاً. لا يمكن أن تُقنع الإخوان والمناصرين لهم من المتأسلمين بأن الإسلام لا يعرف الحزبية. ولا التحزُب. وأن تشكيل الأحزاب علي أساس أو مرجعية دينية مخالف للإسلام.. ولا يمكن أن تقنع الناصريين بأن إنشاء حزب ناصري مخالف تماماً لتوجهات عبدالناصر. الذي كان يؤمن بتنظيم واحد يضم تحالف قوي الشعب العاملة.. فالتعددية الحزبية هنا مناقضة للناصرية. والإخوان والناصريون "وان واي". ولا يؤمنون بفضيلة إعادة النظر والمراجعات.. وغربلة الأفكار والمبادئ للتخلص مما لم يعد صالحاً منها.. وكما استدعي الإخوان حسن البنا بقوة إبان حكمهم.. يستدعي الناصريون الآن جمال عبدالناصر الذي يوشك أن يكون القائد الأوحد لثورة 30 يونيه.. الإخوان والناصريون توقف نموهم بسبب مبدأ السمع والطاعة وعبادة المرشد. وعبادة الزعيم.. فالمرشد فرعون الإخوان.. وعبدالناصر فرعون الناصريين. ونحن بارعون في صناعة الفراعين.. عبدالناصر لم يكن فرعون.. بل كان زعيماً له إنجازاته العظيمة. وله إخفاقاته أيضاً. لكن شعبيته في كل الأحوال كانت جارفة. وذنوبه كلها كانت مغفورة شعبياً لأنه ظل طوال عهده في حالة حرب مع الاستعمار ومع إسرائيل.. ومصر دولة حرب.. والشعب عندنا يلتف حول أي زعيم يخوض حرباً مع عدو خارجي. أو مع وكيله في الداخل.. الشعب في هذه الحالة لا يري أخطاء أو خطايا زعمائه.. أو يراها ويغفرها. * * * * * وهذا هو سر احترام المصريين لجيشهم علي مدار التاريخ.. فهم يرون أن الجيش يحارب عدواً خارجياً أو وكلاءه في الداخل.. لذلك هناك حب شعبي فطري للجيش.. وهذا هو السبب في الشعبية الجارفة للفريق أول عبدالفتاح السيسي. وكل قادة الجيش.. ومع ذلك يسعي الناصريون بكل قوتهم إلي جعل السيسي عبدالناصر الجديد.. وفوجئنا بأن كل الدنيا صارت ناصرية.. حتي أن الأستاذ المحامي الكبير فريد الديب قال إن الرئيس الأسبق حسني مبارك كان ناصرياً حتي النخاع.. هناك غزل سافر وصريح للناصريين الآن "علشان هم اللي راكبين وسايقين".. كما كان هناك غزل صريح وسافر للإخوان إبان حكمهم. وفوجئنا بأن "اللي له ومالوش بقي أو طلع إخواني".. والآن تري القرود تهرب من جبلاية الإخوان إلي جبلاية الناصريين.. ونشاهد قفزاً متواصلاً من سفينة الإخوان الغارقة إلي سفينة الناصريين المبحرة. وتقديس الرموز والأشخاص يصل عندنا إلي حد الشرك بالله.. والمشركون صنفان.. صنف يعبد شخصاً. أو صنماً من دون الله.. وهذا الصنف لم يعد له وجود الآن.. والصنف الآخر. وهو الموجود بكثرة مزعجة عندنا الآن. هو الذي يعبد شخصاً أو شعاراً أو نصاً. أو صندوقاً انتخابياً. أو منهجاً أو نظرية مع الله.. وهو الصنف الذي تحدث عنه القرآن الكريم في الآية السادسة بعد المائة من سورة يوسف: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون".. وهؤلاء مشركون ولا يشعرون غالباً.. وهذا الشرك غير المنظور رذيلة مصرية قديمة منذ أيام فرعون. والسامري. وقارون. والعجل الجسد الذي له خوار.. هناك إصرار علي إضفاء القداسة علي الزعماء والحكام.. فالحاكم هو الإله و"اللي يرُشُّه بالمية أرشُّه بالدم".. وكل الذين حكمونا حتي المماليك الخصيان جعلناهم من الأشراف المنتسبين إلي رسول الله "صلي الله عليه وسلم".. وكأن الانتساب إلي رسول الله "صلي الله عليه وسلم" توقيع علي بياض للحاكم لكي يفعل ما يريد.. وأنه سيدخل الجنة رغم أن رسول الله "صلي الله عليه وسلم" قال لكل آل البيت الكرام بالاسم: "لن أغني عنكم من الله شيئاً".. وقد كان أبولهب وأبوطالب. عميّ الرسول "صلي الله عليه وسلم" ومع ذلك هما في النار. تقديس الرموز والأشخاص عندنا يعمينا عن الخطايا ويوقف نمونا الفكري. ويجعلنا نسير إلي حتفنا معصوبي العيون.. فعلنا ذلك مع الزعيم سعد زغلول حتي قلنا إن الاحتلال علي يد سعد خير من الاستقلال علي يد عدلي يكن. رغم أن عدلي كان سياسياً بارعاً. لكن الشعب ببغاء عقله في أذنيه.. وخرج من بيننا علماء ودعاة قالوا إن الملك فؤاد الأول من الأشراف لإفساح الطريق له ليكون خليفة المسلمين.. ووصلنا بعبد الناصر إلي مرحلة الإلهام.. ولقبنا السادات بالرئيس المؤمن.. وقلنا عن مبارك إنه من الأشراف.. وأكدنا أن محمد مرسي من نسل الرسول "صلي الله عليه وسلم".. وعبدنا صندوق الانتخابات وصنم الشرعية.. ولعبنا بالدين مثل الكرة في ملعب السياسة. وهي أخطر وأقذر لعبة.. واعتبرنا معارضة الإخوان ومَن دار في مدارهم وقوفاً ضد الإسلام.. وربطنا الدين الباقي بأشخاص زائلين.. ولو كان الإسلام يبقي ببقاء أشخاص ويزول بزوالهم لأبقي الله تعالي سيدنا محمداً "صلي الله عليه وسلم" حياً إلي يوم يُبعثون.. وقد قالها الصديق أبوبكر رضي الله عنه مدوية يوم انتقال الرسول "صلي الله عليه وسلم" إلي الرفيق الأعلي: "أيها الناس.. مَن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات. ومَن كان يعبد الله. فإن الله حيّ لا يموت". لكن مَن يُقنع الإخوان وأنصارهم بذلك؟!!.. هيهات.. هيهات "يا بلح أمهات".. إنهم يتصرفون علي أساس أن الإسلام سقط بسقوط مرسي والإخوان. وأن الدين زال بزوالهم.. هم يموتون في سبيل الصندوق. ومرسي وهم يظنون أنهم يموتون في سبيل الله. "هذا هو الشرك وإلا فلا". وهكذا يفعل الناصريون.. نفس التابوهات والشعارات.. إذا لم يكن هناك عبدالناصر. فلنخترع جمال عبدالناصر.. وليس وطنياً إلا من كان ناصرياً.. رغم أن كل مبادئ وشعارات ومناهج عبدالناصر غير قابلة للتطبيق بأي وجه الآن!! * * * * * إسرائيل لم تعد عدواً كما كانت أيام عبدالناصر.. ولا يمكن أن نعاديها أو نحاربها الآن.. فلسطين لم تعد قضية العرب الأولي الآن.. بل إنها "ما بقتش قضية خالص".. بل "ما بقاش فيه حاجة إسمها الأمة العربية خالص!!.. الاشتراكية لا يمكن تطبيقها الآن.. الفلسطينيون صاروا أعداء بعضهم.. وفريق منهم صار عدواً لدوداً لمصر وشعبها الآن. وبيننا وبينه دم.. كل شيء يسيل ولا شيء يبقي. والإنسان لا ينزل النهر مرتين علي رأي فلاسفة اليونان.. كل شيء يتغير ونحن لا نتغير. ونمونا متوقف.. وقُتل تقديس الأشخاص والنصوص لدينا الإبداع والاجتهاد. "واللي نبات فيه نصبح فيه".. كل الذي يركب يمارس نفس منهج ورذائل من نزل أو سقط.. ديكتاتورية بغيضة.. "مافيش فايدة".. علي رأي الزعيم الراحل سعد زغلول.. كلهم كانوا حكاماً ولهم خطايا. لكن عين التقديس والشرك لا تري هذه الخطايا. "ما حدش قادر يلعب في النص. حتي إذا كان وضعياً".. وفلاسفة أي نظام يفسرون النصوص الدينية والوضعية علي أساس تقديس الأشخاص. وعلي أساس الهوي والمزاج.. لذلك لا خير فيمن نزل. ولا خير فيمن ركب.. فنحن بارعون في الاجتزاء وانتقاء الأشياء التي تتفق مع هوانا من النصوص.. نحن في كل عهد ضحايا لصوص النصوص!!! نظرة زمان أيام مجلس الأمة ثم مجلس الشعب انتشرت نكتة حول القسم الذي يؤديه عضو البرلمان. وكانت مكافأة النائب الشهرية أيامها خمسة وسبعين جنيهاً. وهو مبلغ خيالي وقتها. ويقول القسم" "أقسم بالله العظيم أن أكون أول الموافقين والمصفقين. وآخر المعارضين.. ولاليه في الثور ولا في الصحين "بس خُدوا بالكم من الخمسة وسبعين""!!.. وكان الترشيح للبرلمان أيامها علي أساس "عمال.. وفلاحين.. وفئات".. والفئات هم مَن كانوا يسمون الرأسمالية الوطنية.. وظهرت وانتشرت نكتة أخري في تلك الأيام تقول: إن الأعضاء تدافعوا يوماً لدخول قاعة مجلس الأمة.. وكان هناك زحام وعدم نظام. فداس أحد النواب بحذائه علي قدم زميله النائب الآخر.. فشعر بألم شديد في قدمه وبدا عليه الغضب وهو يقول لزميله: "مش تحاسب يا جدع.. هو أنت حمار؟!".. فرد عليه النائب الآخر قائلاً: "لأ.. أنا فئات"!!!!