إذا كانت السياسة هي فن إدارة الأهداف المتعارضة والتنسيق السياسي والتوافق بينها.. فإن الديمقراطية هي قبول الآخر وإن اختلفت معه.. قبول الآخر وإن كان علي النقيض تماما مما اعتنقه أو اؤمن به.. قبول الآخر وإن كان دواء مرا.. ولا يوجد في قاموس الديمقراطية.. فرض الرأي بالقوة ولا في مفردات الحرية إجبار الآخر أن يسير خلفي أو اعتناق فكري والسير علي نهجي والأزمة الحقيقية في المشهد السياسي لدينا الآن أن أحدا لا يقبل الآخر وكل تيار سياسي يريد أن يكون الأوحد علي الساحة.. وكل فصيل يريد أن ينفرد بالقمة.. الأزمة الحقيقية أن دم الثورة تفرق بين طامع في السلطة.. وباحث عن زعامة وهمية.. ومأجور تدرب في الخارج ويقبض ثمن التخريب والتدمير باسم الثورة.. إذ لا يمكن لدولة أن تدرب العشرات وتدفع الملايين لأن قلبها علي مصر أو تريد لمصر الاستقرار والحرية والديمقراطية ومهما روجوا لذلك فإن الهدف الخفي واللعب من وراء الستار معروف والهدف اسقاط الدولة أو أن تصبح عراقا آخر.. هذا هو ثمن التدريب والتمويل ويخطئ الف مرة من يتصور غير ذلك من شعب مصر الاصيل أما الذي يقبض ثمن التخريب فهو ضائع يستفيد بالمال ولا تعنيه مصر استقرت أو خربت فالنظام الفاسد الذي اسقطته الثورة دمر خيرة شباب مصر تركهم فريسة للفقر والبطالة برغم أن الدولة لا تملك موارد لتشغيل الشباب بينما نهب وزراء الحكومة المليارات من دم الشعب حتي فاض الكيل بالشباب وانفجر البركان وسقط بعض الشباب في براثن الذين يريدون اسقاط الدولة في الخارج والداخل. *** تفرق دم الثورة.. بين ثائر حقيقي يريد الحرية والعدالة الاجتماعية ومساواة حقيقية بين الشباب في التشغيل بعيدا عن احتكار النيابة لأبناء المستشارين والشرطة لأبناء الشرطة والبنوك لأبناء البنوك وغيرها.. وبين آخر يزعم أنه ناشط أو ناشطة بينما هي ناشطة حقاً في السفر وقبض ثمن التخريب.. وبين ثالث تفرغ للفضائيات المأجورة ويقبض بالدولار في كل حلقة ولا يعنيه سوي إشعال نار الفتنة وإشعال الحماس للحرق والتخريب متحدثا باسم الثورة وهي منه براء. تفرق دم الثورة بين مواطن يريد الأمن والاستقرار وحياة كريمة لأسرته بأقل القليل.. وبلطجي يريدها فوضي ودماراً ليرتع ويحتل الشوارع والميادين والسلاح جاهز لمقاومة من يعترضه حتي عم الانفلات أرجاء الوطن وصرنا وطنا بلا دولة ولا قانون ولا ضابط ولا رابط.. والبلطجي هو سيد الموقف وميدان رمسيس أبلغ مثال علي ذلك.. ووكالة البلح التي امتدت إلي الاسعاف وحتي ميدان عبدالمنعم رياض ووسط البلد.. شوارع بلا ملامح وميادين بلا حدود وانفلات غير موصوف وبلطجية فوق الخيال.. ومولوتوف في كل حارة وكل زمام.. وتحرير لم يعد رمزا لاروع ثورة وإنما صار أسوأ بؤرة. *** وإذا كانت السفينة في مهب الريح وسط أمواج عاتية.. وعواصف كاسحة.. ورياح ناسفة ودوامات سحيقة فإن السلطة الحاكمة تستطيع أن تصل بها إلي بر الأمان.. لو كانت جادة في تحقيق مطالب الشعب من حرية حقيقية وديمقراطية غير منقوصة وعدالة اجتماعية علي أرض الواقع فحتي الآن لم يشعر الشاب الذي فجر شرارة الثورة بأي تحسن.. فالتشغيل مازال لأصحاب النفوذ وبتأشيرات النواب.. وكأن الثورة لم تقم.. الخدمات الاساسية من سييء إلي أسوأ.. لدرجة تجعل المواطن البسيط يترحم علي أيام المخلوع.. علي الحكومة ان تدرك حجم المخاطر التي تحاك بمصر في الخارج والداخل ولا تدع المسرح السياسي مرتعا للأصابع الخارجية التي تستغل الشباب والمواطنين البسطاء المحرومين من ابسط الخدمات في غيبة الدولة وغيبة العدالة الاجتماعية.. علينا جميعا أن نعمل لتحقيق أهداف ثورتنا البيضاء ونحمي الوطن من الأصابع الخفية من الخارج ومن الفلول ومن المأجورين الذين يتحدثون دوما باسم الثورة وهي منهم براء.. تنازلوا جميعا من اجل الوطن.. حتي لا نضيع جميعا.. ويضيع الوطن.