الثورات لا تموت.. تظل مسطورة في كتب التاريخ.. محفورة في وجدان الشعوب تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل.. لكن تبقي ثمارها مرهونة بوعي الشعب الذي قام بها.. تبقي نتائجها مرهونة بمسيرتها منذ اشتعال شرارتها الأولي والمضي قدماً في المسار الصحيح حتي الوصول إلي الأهداف والغايات.. والحقيقة التي سيذكرها التاريخ قطعاً أننا قمنا بأعظم ثورة.. بيضاء.. نقية.. أشعل شرارتها الشباب وشارك فيها الشعب بكل فئاته وطوائفه وحماها جيش مصر العظيم.. وأشاد بها زعماء وقادة العالم.. لكن للأسف الشديد تفرق دمها بين المصالح.. وتمزقت خيوطها بين صراعات الأحزاب والتيارات السياسية والغايات الدفينة الخارجية والداخلية.. وتاهت معالم الطريق وصار الكل يتحدث باسم الثورة وينسبها لنفسه وهي منه براء.. رفعنا شعارات جوفاء.. وكان فعلنا عكسها تماما.. تركنا السفينة تغرق.. وتسحبها الرياح نحو الهاوية بينما تفرغنا لإثارة الفتنة علي الفضائيات المغرض منها والمأجور.. الصادق منها أو المتاجر بقضايا الوطن.. تحدث باسم الثورة مأجور يزعم أنه ناشط بينما يقبض ثمن تخريب مصر من الخارج.. ولعل إحراق المجمع العلمي وتراث مصر أبلغ دليل.. فلا يمكن لمصري ثائر أن يشعل النار في تراثه ثم يرفع اصبعيه بعلامة النصر ولا يمكن لمصري أن يشعل النار في مركبة علي الطريق أو منشأة خدمية لا ذنب لها سوي أنه قبض ثمن التخريب ثم مزاعم الثورية.. لا يمكن لمصري أن يهاجم محطة مترو يخدم ملايين البسطاء أو يغلق مجمعاً خدمياً قصده مريض لإنجاز قرار علاج.. أو مظلوم يطلب الانصاف من القضاء.. لا يمكن أن يكون مصرياً من يقطع طريقاً ويمنع سيارة اسعاف أو مطافئ من إنقاذ ملهوف أو نجدة مستغيث.. لكن للأسف الشديد حدث ويحدث هذا كل يوم باسم الثورة وهي منهم براء.. ليس مصرياً من يسافر كل يوم للخارج لتلقي الدعم والتوجيه لإثارة القلاقل والفتن والتخريب في الوطن ثم تزعم أنها ناشطة أو ناشط حتي ولو كان يتبعه الآلاف الذين يقبضون ثمن قطع طريق أو إثارة الفتن والمضي نحو إسقاط الوطن وعدم الوصول بأي ثمن لمرحلة الاستقرار والبناء. *** إن الأزمة الحقيقية التي نعاني منها هي الازدواجية الغريبة نرفع شعارات.. ونأتي عكسها.. نرفع شعار الحرية ولا نريدها إلا لأنفسنا.. نتحدث عن حقوق الإنسان ولا إنسان غيرنا.. ويوم أن انتحر الشاب النابغة خريج التجارة الخارجية الذي تقدم لشغل وظيفة وكان ترتيبه الأول لكن لم يحظ بها لأنه غير لائق اجتماعياً.. وفاز بها آخر غير كفء بالواسطة.. لم تتحرك المراكز الحقوقية التي تملأ الدنيا صراخاً ليل نهار للشهرة والشو الإعلامي.. ويوم أن تقدمت فتاة بشكوي ضد مخرج شهير يتحدث دائماً باسم الثورة أنه غرر بها ووعدها بدور في أعماله ثم تخلي عنها.. لم تتحرك المراكز الحقوقية.. للأسف الشديد تفرق دم الثورة بين هذا وذاك.. وزعم كل تيار أنه صاحب الثورة حتي بعض الحركات التي انقسمت علي نفسها تزعم أنها مفجرة الثورة ويخرج كل من هب ودب ليتحدث باسم الثورة وكل الهدف زعامات وهمية ومصالح شخصية بينما الوطن يمضي نحو الهاوية. *** لقد آن الأوان أن نجفف دموع الثورة.. وننقي ثوبها الأبيض الناصع من إحراق المجمع العلمي وإغلاق مجمع التحرير وقطع الطرق.. وتلقي الأموال والسفر للخارج لتلقي الإملاءات والدولارات.. آن الأوان لأن يكف دعاة الزعامة عن الحديث باسم الثورة فالشعب المطحون هو وقود كل الثورات.. وهو الذي يدفع الثمن دائماً من دمائه وأبنائه وثرواته وأمنه وقوته.. وهو الوحيد الذي لا يفكر فيه أحد.. فلم نسمع حزباً تبني قضايا البسطاء ولم نسمع حركة مثلاً اهتمت فقط بالبطالة أو تكافؤ الفرص بين الشباب في العمل بالنيابة أو الشرطة أو الخارجية.. لم نسمع تياراً تبني علاج البسطاء أو محاربة الدروس الخصوصية أو الرشوة والمحسوبية أو تبسيط إجراءات الخدمات في المصالح الحكومية.. لم نسمع أن حزباً تبني إصلاح الشوارع التي تحولت إلي حفر ومطبات وبرك لمياه المجاري.. للأسف المصالح الشخصية والمكاسب الذاتية هي التي تعصف بالثورة والوطن وتصل بنا إلي طريق مسدود.. ما لم يكن لدينا وعي بثورتنا.. ووطننا.