"الكثير من أبناء الشعب التركي أفسدوا في هذا الوطن باسم الصحافة والفن والثقافة" هكذا أكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات لوكالة الأناضول عقب وصوله لبلاده قادما من تونس، أمام حشد كبير مكون من آلاف الأشخاص الذين جاءوا لاستقباله صباح أمس الأول. لقد كانت كلمات أردوغان بمثابة توصيف دقيق للأمراض النفسية المزمنة التي يعانى منها كهنة الصحافة والثقافة التى يسيطر عليها العلمانيون فى كل مكان من الأمة العربية والإسلامية، فهؤلاء حرص الحكام الطغاة والمستبدون على تمكنيهم من مؤسسات الصحافة والفن والثقافة "حتى يحافظوا على كراسيهم آمادًا بعيدة وأعمارًا مديدة. فمَن غير هؤلاء العلمانيين قام باستخدام الصحافة والفن والثقافة لتكريس الاستبداد وتقنين الفساد وطمس الهوية العربية الإسلامية؟!، ومَن غيرهم قد خان شرف المهنة وحول جرائم الحكام لإنجازات، والهزائم الكبرى لانتصارات؟!، فقد عرفت مصر، على سبيل المثال، أكبر فضحية صحفية في التاريخ، عندما أذاع أحمد سعيد، كبير مذيعي عبد الناصر، أنباء الانتصار على إسرائيل في 5 يونية وتحطيم سلاح الطيران الصهيوني وتدمير مئات الدبابات وهلل الإعلام وأهل الفن للنصر المزعوم، ولكن كانت الحقيقة المرة التي أدمت قلوب المصريين هي أكبر هزيمة عسكرية في التاريخ المصري منذ أن وحد مينا القطرين؛ حيث فقدت مصر 25000 شهيد وعشرات الآلاف من المصابين والمأسورين. كما تم تهجير قرابة النصف مليون عربي من الضفة الغربية وغزة وحوالي 100 ألف من الجولان السورية التي احتلت، ودمر أكثر من 50٪ من العتاد الحربي العربي. الغريب والعجيب أن الإعلاميين وأهل الثقافة والفن الذين لم يبرحوا الحظيرة الناصرية حتى الآن اعتبروا أن بقاء الزعيم الملهم وحده انتصارا حتى لو تسبب زعميهم في قتل عشرات الآلاف من المصريين وإهدار مئات الملايين على حرب اليمين لدعم صديقه الشيوعي عبد الله السلال!!. المعادلة محسومة فلن يرضى كهنة الصحافة والثقافة والفن على أي نظام يتمسك بالهوية الإسلامية لأنهم ببساطة يجعلون كل رزقهم أنهم يكذبون؛ فهم لا يؤمنون بأن الإسلام منهاج حياة، وأن القران الكريم هو دستور هذه الأمة، ولذلك فحملتهم على الإسلام والإسلاميين هي معركة بقاء وحفاظ على مصالحهم التي منحها إياهم كمال أتاتورك مؤسس العلمانية بتركيا ومن سار على دربه من حكام العرب والمسلمين. فما يفعله السكارى في تركيا، والعرايا في تونس، والمتمردون في مصر، هي محاولات أخيرة لوأد الصحوة الإسلامية القادمة من دول الربيع العربي. لقد كشفت ثورة السكارى والعرايا ضد أردوغان أن المسألة ليست حرية ولا عدالة اجتماعية ولا حتى رخاء اقتصادي؛ فتركيا بنظامها الإسلامي انتزعت لنفسها مكانة في مقدمة الدول الديمقراطية وحققت لشعبها رفاهية غير مسبوقة، ولكن اللوبي العلماني المتحالف مع أعداء المشروع الإسلامي يناضل من أجل إفشال نظام يمت للإسلام بصلة.. والدليل على ذلك هو عداء كهنة الثقافة والصحافة في مصر للرئيس محمد مرسى من اليوم الأول لتوليه الحكم؛ فقط لأنه ينتمي للتيار الإسلامي. لقد قام كهنة الصحافة والثقافة لمدة تزيد عن 60 عاما بدور الكهنة في مصر القديمة الذين أوهموا الشعب بأن الفراعين يحكمون باسم الآلهة، وكان الفراعين يجذلون العطايا للكهنة للقيام بنفس الدور الذي قام به كهنة الصحافة والثقافة فى مصر من عصر عبد الناصر حتى مبارك المخلوع. ولعل المعركة التي أشعلها كهنة وزارة الثقافة بمشاركة كهنة الصحافة مؤخرا ضد الدكتور علاء عبد العزيز، وزير الثقافة، الشجاع هي محاولة أخيرة للحفاظ على العطايا التي كانت النظم المستبدة حريصة عليها تجاه هؤلاء، ليقوم كما ذكرت من قبل بدور الكهنة في مصر القديمة، فهؤلاء المثقفون لم يقوموا فقط بتجريف أموال الدولة بل قاموا بتجريف الهوية العربية والإسلامية، وتسابقوا على نشر الكتب التي تطعن في الدين بأموال الشعب المتدين ومنها رواية "وليمة لأعشاب البحر" التي كانت تطعن في الذات الإلهية في عهد فاروق حسنى وزير ثقافة المخلوع. لقد قالها رجب طيب أردوغان: "الكثير من أبناء الشعب التركي أفسدوا في هذا الوطن باسم الصحافة والفن والثقافة"، وهكذا يفعلون فى مصر، وإذا كانت التجربة المصرية مازالت فى مهدها ولم تحقق بعد الطموحات المطلوبة فما ضير التجربة التركية التي حققت نجاحا كبيرا باعتراف كبرى المؤسسات الدولية سواء على مستوى السياسة أو الاقتصاد. فحزب أردوغان وحكومته منذ أن أتوا إلى السلطة يتعاملون مع الأمانة التي أولاها الشعب لهم على أنها شيء مقدس لدرجة أن أردوغان يقول فى كل مناسبة: "لسنا إلا خداما للشعب التركي"، وعندما علق على ثورة العلمانيين كان حريصا على شعبه أكثر من حزبه حيث قال: "لا يمكن لأي يد أن تمتد على أمانة الشعب، إلا الشعب نفسه، فهو الذي يعطيها، وهو الذي يأخذها"، موضحا أن هناك أشخاصا يعجزون عن تحقيق ما يريدون عبر الصناديق والانتخابات فيلجئون إلى العنف ونشر الفوضى، مؤكدا أن حكومته لن تغض الطرف على الإطلاق عن أي شخص يريد أن يفسد أو يغتال الديمقراطية في البلاد. لقد أكد أردوغان، عقب عودته من تونس صباح أمس الخميس، أن لوبى كبير من أصحاب المصالح حاولوا تعطيل مصالح الأمة التركية، ولكننا تغلبنا عليهم رغم المعوقات، مؤكدا "سنواصل العمل من أجل تقدم تركيا". أعتقد أن على نفس اللوبى الموجود فى مصر أن يتعلم من الدرس التركي، وأن الأمة المصرية سوف تنتصر كما انتصرت الأمة التركية، وأن الرئيس محمد مرسى ينتهج نفس سياسة رئيس وزراء تركيا في الاستمرار في العمل رغم محاولات الإعاقة، فالقافلة سوف تسير ولن تلتفت لجبهات الخراب أيا كان مسماها سواء كانت "تمرد ,تشرد, تعرض أو حتى تمرغ".