على مدى 6 أيام مضت، أقامت القنوات الفضائية الخاصة المملوكة لرجال أعمال محسوبين على النظام الساقط مأتما لطموا فيه الخدود على هيبة الدولة التى انهارت، وشقوا فيها الجيوب على الأرواح التى ستزهق لتحرير جنودنا، واستعانت هذه القنوات بكم لا بأس به من التصريحات المجهولة والأخبار الملفقة؛ لكن أتت الرياح بما لا تشتهيه سفنهم، وتم الإفراج عن الجنود المختطفين دون إراقة نقطة دماء واحدة. "الحرية والعدالة" فى السطور القادمة سألت خبراء الإعلام عن تقييم تغطية فضائيات حرق الوطن منذ بداية أزمة الجنود المختطفين إلى أن انتهت. خبير إعلامى: تفعيل مجلس الأمن القومى لمحاسبة المتجاوزين من جانبه، قال الخبير الإعلامى شادى السيد: إنه كعادته فى كل القضايا والأزمات المصرية؛ اتّسم أداء معظم وسائل الإعلام المصرية بالبعد عن المهنية والحيادية فى تناول قضية الجنود السبعة المختطفين، رغم حساسيتها ودقّتها، وارتباطها بالأمن القومى المصرى؛ ولم تشفع نداءات مؤسسة الرئاسة ولجنة الأمن القومى فى مجلس الشورى لوسائل الإعلام بضرورة تحرى الدقة والأمانة ومراعاة حساسية القضية، بل وصل الأمر ببعض وسائل الإعلام إلى استخدام لغة التحريض والتشفى عند تناول الأزمة، الأمر الذى تورّع عنه إعلام بعض الدول المعادية لمصر! وأضاف: هذا يجعلنى أضم صوتى إلى الأصوات المطالبة بضرورة تفعيل مجلس الأمن القومى، واستصدار قوانين ولوائح تنظم النشر الإعلامى، وتطبيق عقوبات مغلظة عند تجاوز النشر فى القضايا الحساسة أو المتعلقة بالأمن القومى، وهذا أمر لا يحدده رجال الساسة أو ضيوف البرامج الحوارية فى وسائل الإعلام؛ وإنما الجهات السيادية المختصة. وأشار "السيد" إلى أنه: طالما لا يوجد إطار عام أو قانون لدى الإعلام ينظم أمور النشر، وطالما اختفت التشريعات والعقوبات الرادعة؛ ستبقى فوضى الإعلام، وسيبقى المحرضون من بعض المذيعين يهيجون الرأى العام، ويعملون على تأليب الناس فى قضايا لا يصح التشويش عليها بالنسبة للعامة. وخلص إلى القول: ببساطة شديدة من أمِنَ العقوبة أساء الأدب، وبعض المذيعين فى مصر تجاوزوا حدود العجب! أحمد السيوفى: الإعلام أقحم نفسه فى السياسة.. ولا يمارس دوره بمهنية أكد أحمد السيوفى -مدير مكتب قناة العالم بالقاهرة- أن التعامل الإعلامى مع أزمة الجنود المختطفين لا يختلف كثيرا عن التعامل الإعلامى مع كل الأزمات التى يمر بها الوطن، مشيرًا إلى أن الإعلام أقحم نفسه طرفًا فى الأزمة السياسية القائمة، وأصبح لا يمارس دوره بالمفهوم الحرفى للمهنة. وقال: إن العديد من الإعلاميين أهدروا القيم الإعلامية على مدار 7 أيام من عمر الأزمة، منها: عدم التحقق من المعلومة والتدقيق فيها، وعدم الحفاظ على أمانة الكلمة، وإهدار آدمية الإنسان وظلم البعض، ونشر أخبار كاذبة تعكر الصفو العام وتكدير الحالة الاجتماعية، والخوض فى الأعراض. وانتقد السيوفى وقوع الإعلام فى هذه الموبقات رغم أن دوره من المفترض أن يكون كاشفا للأزمات ويحترم خصوصيات الإنسان وكرامته، وليس اللجوء لارتكاب حماقات من شأنها تأجيج الأزمة. وأضاف: "يؤسفنى وأنا إعلامى أن أقول إن الإعلام لا يمارس مهنيته، وينسب الأخبار إلى مصادر مجهولة". وأكد السيوفى أن استخدام مصطلح "مصدر مطلع" فى المواقف التى تمس الأمن القومى مثل حادث الجنود المختطفين؛ كارثة حقيقية، موضحًا أنه لا يمكن عزل الأداء الاعلامى عن الأداء العام، خاصة إذا كان يخدم التوظيف السياسى والتلاعب بالمعلومات لتوريط الأشخاص وإحداث حالة من التوتر الاجتماعى والإحباط العام، مشيرًا إلى أنه تحت شعار "حرية الرأى وحق المواطن فى الحصول على المعلومة" تُرتكب الكثير من المخالفات. نيرمين عبد السلام: أخبار كاذبة .. تصريحات مجهلة .. سقطات مهنية للفضائيات وصفت الدكتورة نيرمين عبد السلام -أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة- الأداء الإعلامى فى تغطية أزمة الجنود المختطفين بالمتحيز، مؤكدة أن هذا الأداء كشف الأقنعة وأسقطها عن بعض الوجوه التى كان يظنها البعض وجوها لامعة. وقالت: استغلال حدث مؤسف كهذا يمس القضايا القومية لتحقيق مكاسب سياسية للمعارضة سقطات مهنية تضافرت فى ارتكابها بعض الفضائيات الخاصة بالتعاون مع وجوه سياسية لفظها الشارع المصرى واكتشف معدنها منذ فترة. وأضافت د. نيرمين؛ رأينا هؤلاء الساسة يتحدثون عن إهدار كرامة المصريين وانهيار هيبة الدولة، وطالب بعضهم بانتخابات رئاسية مبكرة، فى تطويع واضح لأزمة الجنود المختطفين من أجل تحقيق مكاسب لبعض السياسيين الذين رفضوا حتى تلبية دعوة الرئاسة للتباحث والحوار حول الأزمة وحكموا على الحوار بالفشل قبل أن يبدأ مكتفين بالتنظير أمام شاشات الفضائيات، مشيرة إلى أن نهاية الأزمة دون قطرة دم واحدة فندت كل أباطيلهم ومزاعمهم، وساعدت الرأى العام على الكشف من خلال التجربة العملية عمن يعمل لصالح هذا الوطن ومن يستغل كل كبواته لتحقيق مكاسب سياسية لن يستفيد منها غيره. وأشارت إلى أن تسخين الرأى العام بهذه الطريقة الفجة مثل عبئا حقيقيا على كل مؤسسات الدولة التى كانت تعمل على نزع فتيل الأزمة بشكل سلمى ودون إراقة نقطة دم واحدة، موضحة أنه كان من الممكن أن يؤدى هذا العبء إلى التصرف بشكل مرتبك وخطأ يدفع ثمنه المصريون جميعا. وأكدت أن كلمة "مؤامرة" التى وصفت بها بعض الفضائيات أزمة الجنود المختطفين حينما ادعوا أن الإخوان نظموا هذه التمثيلية لتلميع الرئاسة ليست غريبة، مشيرة إلى أن كلمة "مؤامرة إخوانية" أصبحت المخرج لكل إعلاميى الفلول حينما يجيد النظام الحالى التعامل مع أى أزمة يتعرض لها الوطن. وقالت د. نيرمين: من أبرز السقطات المهنية خلال الأيام الستة الماضية: بث أخبار غير موثقة لتهييج الرأى العام، وتصريحات مجهلة غير معلومة المصدر تحت مسمى "مصدر مطلع"؛ فضلا عن الخبراء العسكريين الذين يشم فى كل تحليلاتهم حنينا لعودة حكم العسكر، والذين كانوا يتحدثون عن خسائر فادحة ستتكبدها مصر فى أرواح أبنائها لتحرير المختطفين، لكن جاءت الأحداث عكس ما توقعوا تماما. رئيس جمعية حماية المشاهدين : بعض وسائل الإعلام تفضل نصف الكوب الفارغ قال الدكتور حسن على -رئيس جمعية حماية المشاهدين والمستمعين والقراء-: إن التناول الإعلامى لقضية الجنود المختطفين خلا من المهنية والاحترافية، مثلما جاء فى عدد من الصحف التى تعاملت مع الأزمة كنشرة وليس كجريدة، مؤكدًا أن الشماتة وتهييج الرأى العام غلبت على بعض وسائل الإعلام أكثر من الحرص على المصلحة الوطنية. وأوضح أن بعض وسائل الإعلام التزمت بالاتزان فى التناول، مثل قنوات: المحور، ومصر 25، والنيل للأخبار التى مارست الخداع الإستراتيجى للخاطفين وبثت معلومات متضاربة لإرباكهم. وأكد أن مؤسسات الدولة تكاملت نحو هدف واحد، ما تسبب فى نجاح عملية تحرير الجنود السبعة، لافتا إلى أن بعض وسائل الإعلام لم تلتفت للجانب المشرق فى تكاتف مؤسسات الدولة والاحتراف الذى تم به إنهاء الموضوع، ولكنها انحازت لنصف الكوب الفارغ، وأوضح د. حسن أن المنظومة الإعلامية تحتاج إلى التعجيل بالموافقة على 6 قوانين لضبط الإيقاع الإعلامى وتنظيم قطاع الإعلام بمختلف أنماط ملكيته "خاص وحكومى وحزبى"، مشيرا إلى أنه فى مقدمة هذه القوانين: قانون المجلس الوطنى للإعلام، قانون نقابة الإعلاميين، تعديل القانون 13 لسنة 1979 الخاص بالإذاعة والتليفزيون، تفعيل مواثيق الشرف، تعديل قوانين الاستثمار الخاصة بالفضائيات. أستاذ إعلام : افتقاد الحس الوطنى فى أزمة تمس الأمن القومى كارثة "جريمة مهنية" هى أقل ما يمكن أن يوصف به موقف وسائل الإعلام بعد إصرارها على نشر فيديو للجنود السبعة المُحررين وهم معصوبو الأعين ومقيدو الأيدى يرتدون ملابس مدنية ويكيلون الاتهامات لقياداتهم العسكرية بالتراخى فى استعادتهم. "جنودك يا سيادة الفريق بيموتوا وحضرتك قاعد فى المكتب"، جملة تم بثها فى الفيديو على لسان أحد الجنود ولم يتم التأكد من صحتها، ورغم ذلك أثارت تلك الرسالة حفيظة البعض؛ نظرًا لما تحويه من تحريض للجيش على أهل سيناء. الدكتور بسيونى حمادة -أستاذ الإعلام السياسى والرأى العام بجامعة القاهرة- علق على هذه الواقعة قائلا: مواثيق الشرف تمنع نشر صور المختطفين والقتلى والجثث تحت أى ظرف؛ من منطلق الحفاظ على كرامة الإنسان. وقال: إصرار بعض وسائل الإعلام على نشر الفيديو رغم الموقف العصيب الذى كانت تمر به البلاد يعد انتهاكًا صريحا لأخلاق ومواثيق الشرف الإعلامى. وأوضح د. حمادة أن نشره يفتقر للمهنية والحس الوطنى، خاصة فى أزمة تمس الأمن القومى، ويحمل إهانة واضحة للجيش المصرى والدولة المصرية، وتحريضا تجاه أهل سيناء. واتهم بعض وسائل الإعلام بالعمل فى اتجاه تعقيد الأزمة، موضحا أن المواقع الإلكترونية وبرامج ال"توك شو" التى أصرت على نشر الفيديو هدفت إلى شحن الشارع المصرى والقوات المسلحة وقيادات الجيش للتهور والثأر لكرامته. وأشار د. حمادة إلى أن هذا الشحن غير مبرر، خاصة أن عودة الجنود المحررين تمثل انتصارا للإرادة الوطنية ولحسن الإدارة والتفاوض والتخطيط، مؤكدا أن الأزمة انتهت ولكن مطالب أهل سيناء ومشكلاتهم ما زالت قائمة.