لم يكن ظهور البلطجية ومثيرى الشغب والخارجين عن القانون، مُعلنين عن أنفسهم فى أثناء ارتكابهم جرائم حرق المقرات وحصار المنشآت؛ لأنهم فقط تجرءوا على القانون وظنوا أنهم أمِنوا العقاب أو لأنهم أصحاب قضايا كما يحاول البعض وصفهم بأنهم ثوار لهم مطالب مشروعة، وإنما كان هذا الظهور بسبب استقوائهم بعناصر أخرى تعمل فى الخفاء. هذه العناصر تُحرك وتُخطط وتنفق ببذخ من أجل تنفيذ مخطط الهدم الذى جنّدت من أجله الوقت والجهد والمال والذى لا تأبى إلا تنفيذه مستغلة كل الظروف ومتحينة كل الفرص أصبح هؤلاء المحرضون هم كلمة السر وراء كل ما عصف بالبلاد من أحداث عنف وفوضى متعمدة منذ بداية الثورة وحتى الآن. التحريض الإلكترونى اتسعت الممارسات التحريضية بعد مرور العام الأول من الثورة واتخذت أشكالا جديدة أبرزها التحريض الإلكترونى عبر موقعى التواصل الاجتماعى تويتر وفيس بوك، والتى لم تقتصر فقط على جملة المغالطات التى تتناقلها بعض التغريدات لبعض السياسيين والتى لا تهدف سوى إحداث مزيد من الفوضى وإنما كانت هناك بجانب ذلك دعاوى صريحة لإثارة الشغب والعنف أبرزها دعاوى إحياء ذكرى محمد محمود (19 نوفمبر 2012)؛ حيث تعددت الدعاوى التحريضية الداعية بشكل صريح إلى التعدى على المنشآت الشرطية وتلتها بعدة شهور الدعوة إلى إحياء الذكرى الثانية لثورة يناير والتى زادت معدلات الدعوات التحريضية لها عبر فيس بوك وهو ما دعا وزارة الداخلية لإصدار بيانات عاجلة محذرة فيها من الاعتداء على المنشآت. ووفقا لمصدر أمنى، فإن جرائم التحريض عبر الإنترنت زادت معدلاتها بعد الثورة بنسبة كبيرة ومن بينها جرائم السب والقذف والتشهير، فضلا عن جرائم أخرى مثل سرقة الأرصدة البنكية والملكية الفكرية، هذا بجانب انتشار المواقع المروجة لتصنيع الأسلحة كتصنيع القنابل الثقيلة والخفيفة، معتبرا أن هذه المواقع إحدى أخطر وسائل التحريض على انتشار العنف فى المجتمع. عقوبة مشددة بحسب قانون الإجراءات الجنائية، فإن عقوبة المحرض هى نفس عقوبة الجانى تتراوح بحسب نوع الجريمة وتبدأ من ثلاث سنوات فى حالة وقوع الضرر البسيط وقد تصل إلى الإعدام إذا كانت الجريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد ولكن شريطة وجود قرائن تثبت الاشتراك مع الجانى بالاتفاق أو التحريض. فى البداية، أكد الدكتور أحمد كمال -أستاذ القانون الجنائى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية وصاحب دراسات متعددة فى الجريمة الإلكترونية، أن المشرع ساوى بين جريمة المحرض والفاعل على حد سواء لكون الاثنين مشتركين فى الفعل نفسه، معتبرا أن جريمة التحريض قد اكتسبت بعد الثورة شكلا مختلفا اصطبغ بطبيعة المرحلة من ناحيتين؛ الأولى تعدد جرائم التحريض السياسى فلم يعد الأمر مقصورا على جرائم التحريض الفردى والتى تكون بين شخصين لارتكاب جريمة ما جنائية مثل القتل أو السرقة وغيرهما بل انضمت إليهما جرائم التحريض السياسى. وأوضح أنها أشد جرائم التحريض خطورة؛ لأن ضررها لا يقتصر على مجموعة من الأفراد فحسب، بل إن خطرها يشمل المجتمع بأكمله فعلى سبيل المثال وقياسا على الأحداث القريبة ودعاوى التحريض لحرق منشآت عامة، خاصة ومقرات حزبية هى فى النهاية ملك للدولة فإن هذا الأمر لا يخص الفئة المستهدفة فحسب، بل يشمل المجتمع بأكمله؛ حيث إن حالة الاضطراب السياسى التى تنجم عن تلك الممارسات تؤثر بشكل مباشر على واقع المجتمع وتضر أفراده. وأضاف كمال أن من أبرز ألوان التحريض التى ظهرت بصورة كبيرة فى الآونة الأخيرة هو "التحريض الإلكترونى"؛ حيث يرى أنه من أخطر ما أنتجته التكنولوجيا الحديثة؛ حيث إن الكمبيوتر على الرغم من أنه يعد إحدى وسائل الإعلام المؤثرة، إلا أنه أخطرها على الإطلاق، وذلك لأنه يشمل جميع الوسائل مجتمعة المرئى والمسموع وتأثيره يكاد يكون الأخطر على الإطلاق خاصة فى ظل غياب الرقابة على ما يتم نشره. وأشار إلى أن إدارة توثيق المعلومات التابعة لوزارة الداخلية هى إحدى الجهات المعنية بالكشف عن التجاوزات التى تمارس عبر شبكة النت، لكنها فى الفترة الأخيرة، خاصة بعد الثورة تقلص دورها على الإطلاق إلى الحد الذى يمكن القول معه إن دورها انعدم على الإطلاق على الرغم مما لديها من إمكانيات كبيرة تمكنها من ممارسة دورها بشكل أكثر جدية، مؤكدا أن دورها فى العهد السابق كان أكثر فاعلية؛ حيث كانت تقوم بمحاصرة أى تجاوزات خاصة التى كانت توجه إلى النظام. تفعيل القانون فيما طالب الدكتور محمد شحاتة -أستاذ القانون الجنائى جامعة الإسكندرية- بضرورة تفعيل القانون وتطبيقه بكل حزم على من تثبت إدانته فى الجرائم المتعددة التى مرت بها البلاد فى الآونة الأخيرة، والتى كان المحرضون وأصحاب الأحقاد السياسية هم الأبطال الحقيقيون وراءها، ومن ثم تكون المحاسبة الحقيقية والرادعة للمتورطين منهم بمثابة رسالة واضحة لكل من يمارس التحريض بأشكاله المختلفة، مؤكدا أن أسباب نشاط المحرضين فى فترة ما بعد الثورة وتعدد أشكالها كان أهم أسبابه هو ضعف القبضة الأمنية؛ حيث إنهم أمنوا العقوبة ومن ثم أساءوا الأدب وتمادوا فى جرمهم مستخدمين كل الوسائل والأدوات والتى أبرزها الإعلام. خروقات مهنية من جانبه، أكد الدكتور هشام عطية -أستاذ الإعلام جامعة القاهرة- أن التحريض الذى يمارس عبر وسائل الإعلام هو أخطر وأبرز الخروقات المهنية التى شهدها الإعلام فى الآونة الأخيرة، معتبرا ما يمارس من تحريض وتربص هو جريمة ترتكب فى حق جميع المواطنين؛ حيث غياب الحيادية وعرض الأمور بموضوعية يضيع حق المواطن فى تلقى المعلومة بصورة حيادية. وأوضح أنه من أبرز ألوان التحريض التى تمارس عبر وسائل الإعلام مباشرة هو التربص بشخص أو فصيل معين ورصد سلبياته ومحاولة "تسويد" صفحته وإبرازه أنه بلا إيجابية إلى حد تنفير الآخر منه من خلال توليد قناعات لديه بأن ما يثار حوله حقيقية مسلم بها وهو ما يمكن تسميته ب"شيطنة" الآخر ومن ثم يسهل فيما بعد التحريض ضده.