أعرب الكاتب الصحفي فهمي هويدي عن اندهاشه من خبر تحقيق نيابة طنطا في تبادل الاتهامات بين ضابط شرطة وحلاق يعمل في جهة سيادية عليا باعتداء كل منهما على الآخر بالضرب في كمين ليلي. وكانت قوات الشرطة قد نصبت كمينًا فجر السبت الماضي "6/18" عندما استوقف الضابط الذي هو معاون مباحث قسم ثان طنطا مواطنًا لسؤاله عن هويته التي رفض الرجل إبرازها؛ بدعوى أنه حلاق يعمل في جهة سيادية عليا، إلا أن الضابط أصرَّ على مطلبه وصاحبنا أصرَّ على رفضه، فنشبت مشادة بين الطرفين تبادل الاثنان اللكمات خلالها؛ الأمر الذي أدى لإصابة الضابط بكسر في أنفه وتم نقله إلى المستشفى لعلاجه، وتم ضبط الحلاق الذي ذكر في التحقيق أنه يعمل لدى الجهة العليا، وأنه تعرض للاعتداء من قبل الضابط ومعاونيه، فأحيل إلى النيابة للتحقيق.
وقال هويدي- خلال مقاله بصحيفة "الشروق" اليوم السبت-: "لم أستغرب أن يشتبك مواطن مع ضابط شرطة، فذلك أمر عادي يحدث كل يوم، ولكن حين يلكم المواطن الضابط بحيث يكسر أنفه فذلك أمر غير مألوف؛ لأن العكس هو المعتاد، وحين يحدث ذلك فإنه لا يفسر إلا بأحد احتمالين؛ أولهما أن يكون الطرف الآخر متمتعًا بقوة جسدية غير عادية، وثانيهما أن يتمتع المعتدي بمكانة استثنائية رفيعة مسلحة بجرأة جعلته يقدم على ما فعله، ويبدو أن صاحبنا من ذلك الصنف الأخير؛ لأن انتسابه إلى الجهة السيادية وفر له تلك المكانة بما تستصحبه من جرأة".
وأضاف هويدي: "ما قد أفهمه حين يكون الرجل ضابطًا أو مسئولاً في الجهة السيادية، إلا أنني لم أكن أعرف أن الحرفيين الذين يتعاملون مع الجهات السيادية لهم نفس الحصانة والقوة. فضلاً عن أنه لا يخطر على بال أمثالي أن تضم الجهات حلاقًا أو سباكًا أو ترزيًا أو نقاشًا.. لست أقلل من شأن المنتسبين إلى تلك الحرف بطبيعة الحال، لكنني فقط أستغرب تصنيف المشتغلين منهم مع أفراد الجهات السيادية باعتبارهم يملكون حصانات العاملين في تلك الأجهزة، التي أرجو ألا تكون الضبطية القضائية بينها".
وقال هويدي إنه إذا صحت معلومات الخبر فهي تعني أن الحلاق المذكور اعتبر نفسه مواطنًا متميزًا لا يحق لضابط الشرطة أن يسأله عن هويته، واستنكف أن يصر الضابط على ذلك حين التقاه في الشارع ساعة الفجر، فاشتبك معه ولكمه في وجهه حتى كسر أنفه"، متسائلاً: "إذا كان ذلك شعور وسلوك حلاق الجهة السيادية، إزاء ضابط الشرطة فكيف يكون تصرفه مع المواطن العادى؟ ثم ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن الحلاق كان ضابطا فى الجهاز السيادى؟".
وتساءل: "ماهي دلالة المصطلح وماهية تلك الأجهزة السيادية التى أصبحت مثابة قوة غامضة برزت فى مصر خلال السنوات الأخيرة. وصار لها نفوذها وكلمتها فى التقدير والتوجيه، حتى أصبحت مصدرا معتمدا لإذاعة أخبار تنشرها الصحف وكأنها وكالة أنباء محلية. ليس ذلك فحسب وإنما أصبح لها ذاتها المصون وحرمها الذى لا يجوز المساس به. حتى صار معلوما أن رئيس جهاز المحاسبات المستشار هشام جنينة تمت الإطاحة به لأنه داس لها على طرف، ووقع فى المحظور حين سمح لجهازه أن يفتش فى أوراق الأجهزة السيادية ويرصد مخالفاتها".
وقال هويدي "أفهم أنه حين تموت السياسة فإن القرار يصبح أمنيا بالدرجة الأولى، الأمر الذى يؤدى إلى تضخم دور الأجهزة الأمنية وتغولها فى مختلف المجالات. ويبدو أن التضخم بلغ ذروته حتى طال حلاق الجهات السيادية، الأمر الذى يولد شعورا مبررا بالقلق والخوف، لا على أشخاص فحسب، ولكن مسار الوطن ومستقبله".