"ودنك منين يا سيسي؟".. بالأمس كان السيسي على رأس حشد من عصابة الداخلية مهنئًا إياهم بعيد الشرطة ومباركًا لممارسات الجهاز القمعي بحق المصريين، خاصة بعد أن خضعت الأصوات لدولة السيسي، فلم تعد تسمع من الشعب همسًا، وعمل قائد الانقلاب على تبرير جرائم الداخلية وطمأنتهم بالحماية والدعم أمام أمواج الغضب الشعبي المرتقبة، تحت لافتة "حوادث فردية". خطاب السيسي لم يكن سوى ترك الضوء الأخضر مضاءً أمام ميليشيات الشرطة لمواصلة القتل والبطش بحق المواطنين بمختلف الأطياف والألوان دون تمييز، إلا أنه ومع تفاقم المشهد على نحو متسارع، انتقل الغضب الشعبي بوتيرة متعجلة مثل كرة الثلج من الأقصر "طلعت شبيب"، إلى صيدلي الإسماعيلية، إلى ضحية الدهس بكفر الشيخ، إلى أطباء المطرية، إلى تحرش المرج، وصولا إلى محطة الدرب الأحمر، خلع قائد الانقلاب مذعورا عباءة "الحوادث الفردية"، وأخرج من جرابه "التعديلات التشريعية". وعلى الفور، بدأت الأذرع الإعلامية تمارس الفصل العنصري بين الأمناء وأصحاب الرتب من أجل حماية منظومة الداخلية من غضب الشعب، وتقديم "حاتم" كبش فداء لتجنب ثورة تلوح فى الأفق المنظور، وفى الخلفية تحرك السيسي سريعا لاحتواء المشهد الذى يلقي بظلال قاتم فى الشارع، بإعادة الشرطة إلى حظيرة المحاكمات العسكرية. وفتح قائد الانقلاب من جديد صندوق القرار 130 بعد جلسة قصيرة مع وزير داخلية الدم مجدي عبد الغفار، لإقرار خضوع الملحقين بهيئة الشرطة للمحاكمات العسكرية في حالة ارتكابهم جرائم تعلق بوظيفتهم، فى محاولة لتحجيم انتهاك الميليشيات لا وقفها نهائيا، مع تعديل نص الفقرة الثانية للمادة "94" من قانون هيئة الشرطة، والتى تنص على تحديد وزير الداخلية- بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة- جهات وزارة الداخلية التي تكون لها الاختصاصات المقررة بالنسبة لهم في قوانين القوات المسلحة، كما يحدد ما يسند إليهم من مهام وأعمال. والتقت السيسي رفض مجلس الدولة إنشاء محكمة شرطية مستقلة لاعتبارها مخالفة دستورية، ليعيد توغل العسكر على الجهاز الأمني، وأصدر قرارا جمهوريا بقانون– متجاهلا برلمان الأراجوزات- لتعديل بعض أحكام قانون هيئة الشرطة الصادر بالقانون رقم 109 لسنة 1971، استهدف فيه استحداث فئة جديدة ضمن أعضاء هيئة الشرطة بمسمى "معاون أمن"، يتم تعيينهم وتأهيلهم وفقا لأسس ومعايير خاصة للاستفادة من حملة الشهادة الإعدادية، يكون لهم صفة الضبطية القضائية، كما سيسري عليهم ذات القواعد الخاصة بأفراد هيئة الشرطة عدا بعض القواعد، ومن بينها قواعد الترقي ومدة الدراسة والتأهيل ومدة الترقية. ومع وضع حد فاصل بين أمين الشرطة والمواطن يتمثل فى معاون الأمن كأول حواجز الشرطة فى مواجهة الشعب، جاء قرار السيسي رقم 130 لسنة 2014، بتعديل الفقرة الثانية من المادة 94 من قانون هيئة الشرطة 109 لسنة 1972، نص على "يختص القضاء العسكرى، دون غيره، بالفصل فى كافة الجرائم التى تقع من المجندين الملحقين بخدمة هيئة الشرطة"، ووفقا للجريدة الرسمية، كانت الفقرة الثانية من المادة قبل التعديل تنص على "يحدد وزير الداخلية بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية، التى تكون لها الاختصاصات المقررة بالنسبة للمجندين فى قوانين القوات المسلحة، كما يحدد ما يسند إليهم من مهام وأعمال". وحاول السيسي- عقب اجتماعه الغاضب مع وزير داخليته- أن يمتص غضب الشعب بشعارات مطاطة و"أكلايشيهات" محفوظة، فخرج متحدث الرئاسة ليعلن على لسان قائد الانقلاب أن السلطات الممنوحة لبعض أعضاء الجهات الأمنية إنما تُعنى في المقام الأول بتمكينهم من الحفاظ على أرواح وممتلكات ومصالح المواطنين، بهدف إرساء قواعد الأمن والنظام في البلاد، وذلك في إطار من التقدير والاحترام المتبادل بين الجانبين. وتمسك الجنرال بتلك الشعرة التى تضمن ولاء الشرطة وبقاء العصا الأمنية مرفوعة، ليزعم عدم انسحاب التصرفات الإجرامية لجهاز الشرطة على هذا الجهاز بأكمله، بعد أن دغدغ عناصره بأكذوبة تقديم التضحيات من أجل حماية الوطن والدفاع عن المواطنين، مطالبا فى الوقت نفسه بمواجهة تلك التصرفات بالقانون، لوقفها بشكل رادع ومحاسبة مرتكبيها، وهو الأمر الذي قد يقتضي إدخال بعض التعديلات التشريعية أو سن قوانين جديدة تكفل ضبط الأداء الأمنى فى الشارع المصرى، بما يضمن محاسبة كل من يتجاوز في حق المواطنين دون وجه حق. الناشط السياسي مجدي سعد حاول تلخيص المشهد على نحو يفك طلاسم العلاقة بين الشرطة والسلطة ومتلازمة العسكر والعصا الغليظة، مشيرا إلى أنه يمكن أن يكون هناك تصور منطقي لحالة التصعيد الحالي ضد أمناء الشرطة في إعلام دولة السيسي. وأوضح سعد– عبر صفحته على موقع "فيس بوك"- قبل قليل، أن "الداخلية ماكينتها الأساسية والفاعلة هي الأمناء، وكل من يملك خبرة التعامل مع الجهاز يدرك أن المحرك الأساسي داخل أي قسم شرطة هو "الأمين"، ونظرا لأن التعيينات في كلية الشرطة غالبها الأعم يعتمد على الوساطة والمحسوبية والتوريث والمركز الاجتماعي، أصبح نتاج هذا هو وجود صف ضباط مرفهين وأصحاب أيدي ناعمة، فكانت المحصلة تفويض الأمناء بكافة الأعمال الشاقة والأساسية". وتابع "مع الوقت وتتابع الأحداث تبين لقيادات الداخلية خطورة الموقف وتحول الأمناء إلى مركز قوة داخل الوزارة، فقاموا بإصدار مجموعة من القرارات الإدارية التي تسمح لهم بالسيطرة على الأمناء، وكان أكثرها فاعلية هي المحاكمات العسكرية للأمناء، وتم إعطاء صلاحية الإحالة للضباط". وأضاف الناشط السياسي "بعد ثورة يناير قام المجلس العسكري بإلغاء نظام الإحالة للمحاكم العسكرية للأمناء، في محاولة لإعادة الداخلية للقيام بأدوارها، وبعد الإطاحة بالدكتور مرسي في 3 يوليو، اعتمد العسكر على الشرطة في قمع معارضيه وتصفيتهم، وأعطاهم ضوءًا أخضر للتنكيل بأي مواطن". وحلل المشهد بأنه "مع مرور الوقت والأحداث، عادت مرة أخرى إشكالية تحول أمناء الشرطة لمركز قوة، وكان أكثر تجلياتها الاعتصام الذي قام به الأمناء بالشرقية، والذي كان نتيجته خضوع الوزارة لمطالبهم والاستجابة لهم، مما عزز من قوتهم داخل الجهاز". وأردف "الداخلية في اللحظة الراهنة تريد السيطرة على وحش الأمناء، وأول مطالب قيادتها إعادة المحاكم العسكرية للأمناء، بينما يهددون هم بتفجير الوزارة من الداخل في حال إعادة هذا القانون مرة أخرى، وبينهما ترى السلطة الحاكمة أنها تدفع فواتير باهظة الثمن نتيجة ممارسات الأمناء وعنفهم غير المحسوب وغير الموجه، كحادثة اعتداء أميني الشرطة على أطباء مستشفى المطرية، وتسعى لفرض السيطرة. واختتم سعد تدوينته "أعتقد أن تصدير أخبار تجاوزات وجرائم الأمناء، وفرد مساحات لها ليست بالقليلة في جرائد ومحطات محسوبة على السلطة الحاكمة وحلفائها، يوضح لنا أن هناك رغبة في وجود رأي عام ضد الأمناء، يسمح للسلطة وقيادات الداخلية بتمرير القوانين التي تسمح لهم بالسيطرة على الأمناء، وعلى رأسها المحاكم العسكرية، والأيام القادمة ستكشف من سيستطيع فرض إرادته، هل السلطة والداخلية سيستطيعون كسر شوكة الأمناء، أم أن الأمناء سيبقون على وضعهم كمركز قوة يفرض أجندته ورغباته على الوزارة والسلطة؟".