تشهد السّاحة السياسيّة في تونس هذه الأيام تفاؤلا كبيرا بأن تطيح الانتخابات الرئاسية التي باتت على الأبواب،أن تطيح بالرئيس المنقلب على الشرعية قيس سعيد، خاصة بعدما أيدت المحكمة الإدارية التونسية اليوم الجمعة استئنافا تقدم به السياسي عماد الدايمي للسماح له بالعودة إلى السباق الرئاسي المقرر في السادس من أكتوبر القادم. وأصبح الدايمي المرشح الثالث الذي تعيده المحكمة إلى السباق، بعد عبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي، اللذين رفضت هيئة الانتخابات ترشيحهما في وقت سابق بدعوى نقص التزكيات. وتمر تونس بفترة سياسية بالغة الأهميّة تؤشّر إلى نهاية العُهدة الأولى للرئيس التونسي قيس سعيد، فاتحة الباب للاطاحة به ديمقراطيّا كما جاء بها، حيث شهدت تونس أكبر أزمتها منذ الإطاحة بزين العابدين فبعدما حول قيس البلاد من النظام البرلماني إلى آخر رئاسيّ مطلق، تتمسّك المعارضة بوصفه بالانقلاب على مسار الانتقال الديمقراطي، ونسف المنجزات التي حقّقها ذلك الانتقال وقطع الطريق على تطوّره نحو مرحلة يستدرك فيها نواقص وإخلالات لا يمكن معها تجاوز تركة عقود من الاستبداد والفساد في طرفة عقد من الزمن. فترة هي الأسوأ في تونس وتعيش الأوساط التونسية أزمة سياسية واقتصادية خانقة، تشعر فئات واسعة من التونسيين بالحاجة الماسّة لمعرفة حقيقة الأوضاع التي تمرّ بها بلادهم، وهم إذ يلمسون دون شكّ النتائج النهائيّة للسّياسات الرسميّة في تفاصيل حياتهم اليوميّة، تلك التي يكابدون فيها غلاء الأسعار وافتقاد بعض السلع الأساسيّة وتدني الخدمات، هم إذ يجابهون كل ذلك يجدون أنفسهم في القلب من معركة حامية الوطيس لاستمالة العقول والقلوب تديرها أطراف عديدة ومتصارعة، تحوم حولها أسئلة الموضوعيّة والنزاهة والاحتكام الصّادق للمصالح الوطنية العليا. قيس سعيد كثير من الوعود ومحصلة فقيرة للوفاء ويعتبر الرئيس التونسي قيس سعيد كثير الوعود قليل الوفاء حيث قدّمت منظمة "أنا يقظ" تقريرًا هامًا تضمّن جرد حساب لخمس سنوات من حكم الرئيس التونسي قيّس سعيّد، قاسَ الحاصلَ النهائي لعهدته إلى ما قدّمه من وعود في انتخابات ألفين وتسعة عشر التي جاءت به إلى سدّة الحكم بفضل أنصاره وبفضل جمهور أحزاب وضعت صراعاتها جانبًا ورأت في خلفيته القانونيّة والصّورة الإيجابيّة التي أشيعت عن شخصيّته بارقة رجاء في غد أفضل للبلاد. وقالت المنظمة: إنّ "الرّئيس سعيّد لم يحقق وعوده تجاه التونسيّين بنسبة 87.5%، حيث يتعلق الأمر باثنين وسبعين وعدًا، قالت المنظمة إن الرّئيس سعيّد لم يحقّق منها سوى تسعة وعود، أي ما لا يتجاوز 12.5 % من مجمل الوعود". "أنا يقظ" قالت إنّ "سعيّد فشل في الوفاء بوعوده رغم إقراره لتدابير استثنائية منذ ثلاث سنوات واختياره المباشر لأربعة رؤساء حكومة وجمعه للسلطات وإرسائه لمشروعه الخاصّ وتطويعه لجميع الهياكل العموميّة وتدخّله في تعيين أصحاب القرار في مختلف الهيئات والإدارات". هل بدأ الجميع في التخلي عن قيس سعيد؟ وللإجابة عن هذا السؤال يقول الكاتب والروائي التونسي نور الدين العلوي : إن "هناك استياء من مناورات الرئيس قيس سعيد سواء في الداخل والخارج، هناك قوى محلية شعرت بالخطر من استمرار حكم الرئيس بلا برنامج بل ببرنامج تخريبي؛ قوى المال والأعمال أولا وإن لم تنطق بصوت عال، والقوة الصلبة وأعني الجيش بالتحديد كان يرى الكوارث الاجتماعية قادمة وكان يعرف أنه سيتحمل ردعها أو في الأقل تنظيم فوضاها وهو لم يُخلق لها. لقد كشف التعديل الوزاري الأخير أن الوزراء العسكريين قد تم استبعادهم من دائرة النفوذ، مما رجح وجود خلافات مع الرئيس أفلح الجميع في كتمانها لكن الشارع ليس غبيا". وأضاف "كما أن كل الطبقة السياسة على اختلافاتها مستاءة من الرئيس بل صعدت بخطاب راديكالي، وكانت تستعد لخريف سياسي ساخن رغم أنها بحثت بعقلانية على أضعف احتمال تصويت ضمن نضال قانوني يتهرب من العنف في الشارع". وتابع "أما القوى الخارجية ونخص بالذكر فرنسا فقد فقدت نقاط ارتكاز تاريخية لها في تونس، فالثالوث المقبول لم يكن لها معه خط تواصل، بل ربما يقوم بالإضرار بمصالحها الاقتصادية والثقافية في تونس نكاية فيها باسم خطاب السيادة الذي يستعمله الرئيس". وأشار العلوي أن السفير الأمريكي بتونس في لقاء إعلامي منشور؛ عبر عن شعور غربي واسع بعدم الطمأنينة من اتجاه تونس شرقا وغزلها المستمر بالصين وروسيا، وهو باب مغلق لا يسمح بفتحه منذ الاستقلال. وأوضح "تجمعت هذه المؤشرات أمام آخر القوى العاقلة والفاعلة في البلد، فكان قرار المحكمة الإدارية بتوسيع المنافسة بخلاف هوى الرئيس، بما يحفظ لتونس بعض هيبتها الشكلية ويحفظ للقوى الخارجية وجهها من التدخلات السافرة في بلد مستقل على الورق". وأكد "هنا سيختلف الوضع عن مصر، وربما تؤدي تجربة إنهاء الانقلاب سلميا في تونس إلى اتباع نفس الحل في مصر لاحقا، ويغلق قوس الانقلابات ولو بديمقراطية الحد الأدنى؛ شيء من بن علي ومبارك دون تيار إسلامي فعال، هذا وضع جُرب فاستقر أكثر من ربع قرن، وهو مستقر في الجزائر بعد عشرية الدم". عودة الروح للانتخابات الرئاسية ويضيف الكاتب التونسي أن قبول المرشح السيد عماد الدايمي هي عودة تنافس قوي على قاعدة استقطاب هوياتي، وهذا خطر على العملية الانتخابية برمتها قد يفتح ثغرة للرئيس مرة أخرى يلغي النتيجة الأولى المذكورة أعلاه. يوجد خلاف عميق بين المرشحين (في وضع ديمقراطي مستقر هو خلاف محمود)، ففي الوضع التونسي الحالي سيحتاج التونسيون إلى اتفاق قبل الصندوق. فالسيد منذر الزنايدي محسوب على نظام بن علي ويحمل كثيرا من إرثه البشع، وهو من وزرائه الذين لم يعتذروا للشعب التونسي وإن كان فضّل الاختباء لمدة طويلة وراء أعماله في الخارج، كما أن شبهة علاقته بالفرنسيين تتأكد الآن، فقد عاد به لفرنسا حظ أن يكون لها رئيس تونسي موال ولا يتجه بالبلد شرقا بالمرة، بما يجعله أيضا ورقة أمريكية. يعتبر السيد عماد الدايمي مرشحا جديا أيضا وصاحب تجربة مع الدكتور المرزوقي، وهو غير معاد للإسلاميين وسيحسب عليهم في أول جملة سياسية موجهة لهم، وسيتنافس على خزان الإسلاميين الانتخابي مع الدكتور عبد اللطف المكي وهو من العائدين بعد رفض، بما يضعفهما كليهما في مواجهة الرئيس الحالي والزنايدي الذي يستند إلى الخزان التجمعي والدستوري. واختتم مقالته قائلا : "لقد عادت الروح للعملية الانتخابية التونسية تحت تأثير قوى داخلية لا تلغو في الإعلام كثيرا؛ وقوى خارجية يهمها أن لا تتحول تونس إلى بؤرة فوضى يصل شرارها إلى الساحل الشمالي". ويتساءل العديد من التونسيين هل ندخل الاستحقاق الرئاسي برئيس جديد له شرعية الصندوق؟ ينهون به انقلاب على قوة الصندوق الانتخاب، والعودة إلى روح ثورة 2010.