جاء على عكازه متكئاً بيده الأخرى على ابنته المحجبة ويستأذن الجميع فى تجاوز الطابور لأنه لا يستطيع الوقوف، وفجأة وبدون مقدمات يصرخ فى الجميع قولوا «لا» لأن «من فى القصر مش بتاعكم.. ده بتاع الجماعة»، الرجل السبعينى الذى قالها بروح شاب، أكمل فكرته التى زلزلت الوقوف «من ماتوا فى الاتحادية كانوا مصريين مثل الذين قتلوا فى النهضة والميادين، مرسى لم يكلف خاطره أن يتحدث عنهم بكلمة». دعوة الشيخ المسن لم تختلف عن عموم المصريين الذين قرأوا المشهد الحالى، الرجل الذى جاء متحدياً شيخوخته ليعلن رفضه لدستور الإخوان، لم ينطلق من أجندات أو دعوات بل تحرك لأنه فطن بحكمة السنين إلى معنى الاستماتة الإخوانية على دستور غير توافقى، وبلحيته البيضاء وجلبابه البسيط جال بنظره فى الصفوف المتراصة قائلاً «كونوا مصريين وقولوا لا.. لاتدعوهم يسرقون البلد.. ماذا فعلوا لنا.. لم يأتوا لنا سوى بالخراب والدم». إذا تلمست قصة من ماركيز عن فساد السلطة وعسفها فإنك ستكون فخورا بغباء السلطة الإخوانية التى ظنت أنها قادرة على حصاد الأرض مرة واحدة، لكنه التراب المقدس الذى تحدث عنه رب السماء، لا يدين لظالم أو مرتبك أو جاهل، إنها مصر العظيمة التى من الواجب أن تقول لا من أجلها: حتى لا تخلق فرعوناً يختلف عمن سبقوه بأنه لعبة فى يد «جماعة» تعيش على الدماء. حتى لا تظل أسيراً للظلاميين وجهلهم وتحافظ على إسلامك المستنير. حتى لا تخسر سماحة دينك وتعاليمه عن المعاملات والفضائل. حتى لاتخسر مصر الوسطية المستنيرة. حتى لا تحكمك جماعة تكره وطنها وتعلى مصلحتها على المصلحة المصرية. حتى لا تتنازل عن حريتك من أجل مشروع جماعة العبيد الإخوانية. حتى لا تعيش بدستور يخلق دولة الميليشيات. حتى لا تعيش فى ظل دستور يكرس للانقسام ويرفض التوافق. حتى لا تعيش فى دولة يريدونها متخلفة طالبانية متشددة. حتى لا تعيش فى حضرة نخبة حاكمة منافقة تافهة. حتى لا تعيش فى ظل دستور يحركه هوى وتدفعه أجندة. حتى لا تعيش فى ظل دولة يسعى رئيسها ليفرض علينا أهداف جماعته بدعوى الاستقرار. حتى لا تعيش فى ظل دولة تمرر دستورها برشاوى وعطايا. حتى لا تعيش فى دولة فاشلة تستجدى المعونات وتخضع للقطريين. حتى لا تعيش فى دولة تعترف بالإرهاب وتمنحه المشروعية. حتى لا تعيش فى دولة استسلم رئيسها للولايات المتحدة بعدما كان ينعتها وجماعته ب«الشيطان الأعظم». حتى لا تعيش فى دولة تنعت المعارضين بالعملاء رغم عمالة نخبتها الحاكمة للولايات المتحدة. حتى لا تعيش فى دولة يحكمها بلطجية باسم الدين. حتى لا تعيش فى دولة لا تحترم قضاءها وتعصف باستقلاله. حتى لا تعيش فى دولة يحركها شاطر ومرشد ومعهما قطيع من منزوعى الإرادة. حتى لا تعيش فى دولة يرهبون إعلامها وصحفييها لأنهم يفضحونهم ويعرونهم أمام المواطنين. كلمة أخيرة: «مرسى» ليس رئيسنا بل رئيسهم، وإليك نقولها «مصر كبيرة عليك قوى».