مَن يتابع البورصة المصرية يجد كل المؤشرات تتجه نحو الانحدار والانحطاط، وأرجوك ألا تسارع بالتبشير بأن تقول إن الانخفاض الذى أصاب بورصة الأوراق المالية المصرية يمكن أن نعتبره (انخفاضاً إيجابياً)؛ لأن عمليات الشراء كانت من العرب والأجانب، وهذا يعنى أنهم يرون أن مستقبل اقتصادنا مع كل ما يحدث مبشر؛ لأنى للأسف لم أكن أقصد بورصة الأوراق المالية، بل كنت أقصد بورصة البشر المصرية، فتستطيع الآن وأنت فى مصر المحروسة أن تشم رائحة الدم التى تفوح من فوق قضبان القطار وأمام المقرات الحزبية والوزارات، وكأن هذه الدماء لا ثمن لها. وما زال سماسرة البشر لا يتوقفون عن المتاجرة بالدماء الطاهرة لأبناء المحروسة، ويدللون عليها بأرخص الأثمان على شاشات الفضائيات بدم بارد، حتى صارت النفوس التى تُزهق ما هى إلا مجرد أرقام تُسْتَقل إن كانت أقل من العشرة، وتستكثر إن كانت أكثر من الخمسين. يا سادة لقد ظهر مؤشر خطير فى بورصة الأرواح المصرية يؤذن بتراجع خطير فى قيمة الإنسان المصرى، فمن يستعرض القتلى فى الحوادث الأخيرة يجد أن معظمهم من صغار السن أو الأطفال، وكأن القتلة وأعوانهم لا يعلمون أن التجارة فى دماء الأطفال من أخس النخاسة، وللأسف كثر التجار فى هذه الدماء النقية، فمن يهوّن من المصيبة فى دمائهم لعدم الاستغلال السياسى يتاجر فى دماء البراءة والطهر، ومن يستغل الموقف سياسياً تاجرٌ هو الآخر لا يقل خسة عن الأول. يا سادة أنا -ومثلى الكثير من أهل المحروسة- لم يصبح مَن يُقْتَلُ عندنا مجرد رقم يرفع أو يخفض مؤشر عدد الوفيات فيؤثر فى بورصة البشر، بل ما زال الدم الإنسانى عندنا مقدساً معظماً، وهذا لعلمنا أن قلب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان سيعتصر حزناً على أرواح هؤلاء الأطهار الذين فقدناهم وسيردد ودمعه يسيل على خده الشريف قوله تعالى «بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ»، وسيظل يردده حتى ينزل جبريل يواسيه خشية عليه، ويلتزمه أبوبكر رضى الله عنه رأفة به. وسيعاقب بكل حزم كلَّ من تسبب فى سفك ذلك الدم الطاهر، فقد سمعته صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: «ملعون من هدم بنيان الله» وقال -وهو ينظر إلى الكعبة شاهداً بشدة حرمتها على الله: «ولدم امرئ مسلم أشد حرمة على الله منكِ»، وقد قال هذا فى من تعدى على دم امرئ واحد، فمال بالك بمن تعدى على (الدم العام) بل على دم أطهر مَن فينا، فسيعاقبه صلى الله عليه وآله وسلم وفى نفسه إحساس أن الكعبة هدمت بعدد المرات التى سفكت فيها هذه الدماء النقية، فاتقوا الله فى هذا الدم ولا تؤذوا الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. فلكل الدماء الطاهرة التى سالت وباعتبارى أحد الملاك الأصليين ل(الأرض والعرض والدم) فى هذا البلد فإنى أرفض كل ممارسة من أى طرف تسهم فى الاستقطاب فى ملكى -بلدى- وكل من يقوم بعمل من شأنه أن يزيد الاستقطاب فى ملكى يكون معبراً عن نفسه وليس معبراً عنى، بل أنا برىء منه. وأدعو جميع الملاك الأصليين لهذا الوطن عدم المشاركة فى أى عمل استقطابى؛ لتبرأ ذمتهم من دماء شركائهم فى الوطن؛ لأن الاستقطاب -يا سادة- بوابة الاحتراب. فإياكم والاستقطاب؛ لأنه سيجعل بورصة البشر المصرية تسقط؛ لأن أغلى ما فى هذه المحروسة هو الإنسان.