إن تحقيق العدالة الاجتماعية كان ولا يزال من أهم المبادئ التى تقوم الثورات من أجل تحقيقها، واتضح ذلك جلياً فى شعار ثورة الخامس والعشرين من يناير الذى تلخص فى «عيش - حرية - عدالة اجتماعية». وتعد الموازنة العامة للدولة أحد أهم المؤشرات التى تعبر عن مدى انحياز الدولة لتحقيق هذا المبدأ من خلال ما تخصصه من إنفاق على الدعم والتحويلات وإعانات البطالة. وعلى ذلك فإن اعتراض نواب البرلمان على الحكومة بسبب تأخير عرض مشروع موازنة العام المالى 2012/2013 على مجلس الشعب لمناقشته، كان له ما يبرره، خاصة أنه من المتعارف عليه أن الحكومة يجب أن تقدم مشروع الموازنة العامة للبرلمان قبل موعد بدء العمل بها بثلاثة أشهر على الأقل لإتاحة الفرصة لنواب البرلمان لمناقشتها ومن ثم قبولها أو طلب إدخال التعديلات عليها، حيث إن تلك الموازنة ستشكل الإطار الذى سيتم من خلاله تحديد شكل وحجم الإيرادات والنفقات العامة للدولة خلال السنة المالية المقبلة وبالتالى التأثير على قدرة الحكومة التى سيشكلها الرئيس القادم على إحداث التغيير. أيضا لم تضع وزارة المالية مشروع الموازنة العامة على موقعها الإلكترونى كما هو معتاد للسماح بأكبر قدر من النقاش المجتمعى حولها، واكتفت بتصريحات وزير المالية ممتاز السعيد للإعلام عن مؤشراتها الرئيسية. وجاءت بصورة متضاربة فى بعض الأحيان من جريدة لأخرى مما صعب عملية بناء تحليل موضوعى لبنود الموازنة. وتشير التصريحات إلى أن الإيرادات فى مشروع موازنة العام المالى 2012/ 2013 ستبلغ نحو 393٫4 مليار جنيه مقارنة بنحو 349٫6 مليار جنيه فى العام الحالى أى بزيادة قدرها 12٫5%. فى حين أن المصروفات شكلت نحو 533٫7 مليار جنيه، وهو ما يعنى أن العجز فى الموازنة سيشكل نحو 140٫3 مليار جنيه بما يعادل حوالى 7٫9% من الناتج المحلى الإجمالى مقارنة بنحو 8٫6% فى العام المالى الحالى. وشكلت الأجور وحدها نحو 25٫6% من إجمالى مصروفات الموازنة حيث وصلت إلى 136٫6 مليار جنيه أى بزيادة قدرها 16٫3% عن العام الحالى، وهو ما يعد نتيجة طبيعية لتثبيت أعداد كبيرة من العمالة المؤقتة بالإضافة إلى تطبيق الحد الأدنى للأجور دون تطبيق الحد الأقصى الذى كان من شأنه تخفيض فاتورة الأجور بصورة كبيرة. أما عن إجمالى فاتورة الدعم والمزايا الاجتماعية فقد بلغت نحو 145٫8 مليار جنيه أى حوالى 27٫3% من إجمالى المصروفات العامة؛ شكل دعم السلع التموينية نحو 26٫6 مليار جنيه منها فى مقابل 18٫9 مليار جنيه فى العام المالى الحالى، ويعزى جزء كبير من هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار السلع التموينية بصورة ملحوظة، فى حين استحوذ دعم المواد البترولية على نصيب الأسد منها حيث بلغ نحو 70 مليار جنيه. وعلى الرغم من انخفاض دعم المواد البترولية فى مشروع موازنة العام المالى 2012/2013 بالمقارنة بالعام المالى الحالى فإن مخصصات دعم المواد البترولية ما زالت تعد مرتفعة نسبياً، خاصة أن دعم المواد البترولية والكهرباء يذهب الجانب الأكبر منه إلى شركات تبيع إنتاجها بالسعر العالمى مثل شركات الأسمنت والأسمدة والحديد، ولذلك يجب أن تقوم الحكومة بخطة لترشيد هذا الدعم لضمان وصوله لمستحقيه فقط، ولعل إعلان الحكومة عن نيتها إلغاء الدعم عن بنزين 95 يعد خطوة إيجابية على طريق ترشيد الدعم وتوجيهه لمستحقيه، ولكن فى هذا السياق ما زال أمام الحكومة الكثير لإلغاء كامل لدعم الطاقة والكهرباء الممنوح لكل الشركات التى تبيع إنتاجها بالأسعار العالمية، على أن يستمر الدعم الذى يحصل عليه المواطنون فى الغاز والبوتاجاز والبنزين 80، 90. ويمكن توجيه الفائض من دعم المواد البترولية لزيادة المخصصات الموجهة لكل من الصحة والتعليم والبحث العلمى خاصة فى ظل تدنى المخصصات الموجهة لتلك البنود، فالإنفاق الموجه للصحة مثلا لم يتجاوز 4٫8% من إجمالى الإنفاق العام وهو ما لا يزيد عن ثلث ما نادت به منظمة الصحة العالمية التى طالبت دول العالم بتخصيص نحو 15% من إنفاقها العام لقطاع الصحة، أما الإنفاق العام على التعليم فبالرغم من ارتفاعه بشكل محدود كنسبة من الإنفاق العام ليبلغ 11٫2% فى الموازنة العامة الجديدة مقارنة بنحو 10٫6% فى موازنة عام 2011/2012 فإنه ما زال أقل من المستوى المطلوب لرفع جودة التعليم والنهوض به كخطوة أولى لا غنى عنها فى أى استراتيجية للإصلاح والتنمية. أما فوائد الدين العام فمن المقدر لها أن تصل إلى نحو 133٫6 مليار جنيه وهى النسبة المحسوبة على حجم الديون المستحقة خلال العام المقبل مقارنة بنحو 106٫3 مليار جنيه فى العام المالى الجارى أى بزيادة قدرها 25٫7%، بما يعنى أن فوائد الديون وحدها أصبحت تلتهم ما لا يقل عن 25% من مصروفات الموازنة، وهو ما يتطلب من الحكومة إعادة النظر فى سياسة التعامل مع الاقتراض الداخلى على أنه الحل الأسهل لتمويل عجز الموازنة خاصة فى ظل ارتفاع أسعار الفائدة على أذون الخزانة التى وصلت إلى ما يقارب 17% فى الربع الأول من عام 2012 وما يترتب عليها من تكبيل موازنة الدولة بمبالغ طائلة كخدمات لتلك الديون. وفى هذا السياق يجدر بنا الإشارة إلى أن إعادة هيكلة النفقات الموجهة لدعم الطاقة وترشيدها بالإضافة إلى العمل على زيادة الإيرادات من خلال إعادة النظر فى النظام الضريبى وتطبيق الضرائب التصاعدية هى أمور مهمة لتضييق الفجوة بين الإيرادات والنفقات فى الموازنة العامة بطرق أقل تكلفة من الاقتراض الداخلى، وللعلم فإن الضرائب على أعلى شريحة للدخل فى مصر لم تتجاوز 25% فى حين وصلت فى دول مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية التى تعد أعتى معاقل الرأسمالية إلى 35% ونحو 52% فى هولندا و40% فى بريطانيا و57% فى السويد، ويبلغ هذا المعدل أقصاه ليصل إلى 62% فى الدنمارك. المصدر: البنك المركزى المصرى، النشرة الإحصائية الشهرية، أبريل 2012، ص 107-108.