بعد ثورة يونيو المصرية، وبعد عدة محاولات فاشلة لتولى «البرادعى» رئاسة حكومة الثورة، تم تكليف «الببلاوى» برئاسة مجلس الوزراء. وبعد ثورة يونيو، تم تجميد عضوية مصر فى الاتحاد الأفريقى، لكن هذا التجميد لم يعوق اجتماعات لجنة سد النهضة مجدداً برئاسة وزراء المياه فى الدول الثلاث للاتفاق حول آلية لاستكمال الدراسات التى أوصت بها اللجنة الدولية فى تقريرها النهائى. فقد تم عقد ثلاثة اجتماعات، أولها فى نوفمبر 2013، وآخرها فى يناير 2014، وفشلت الاجتماعات ولم يتم الاتفاق على الآلية المطلوبة. وتلا ذلك تغيير الوزارة وتولى «محلب» رئاسة الحكومة، وتم تغيير وزير الرى، لكننا فوجئنا بذهاب الوزير السابق إلى مجلس الوزراء والانتظار عدة ساعات انتظاراً لرئيس المجلس، وسلمه ملفاً قيل إنّه ملىء بمخالفات للمرشح الجديد للوزارة، وبعدها تم الإبقاء على الوزير القديم والإطاحة بالجديد فى مشهد لم نتعود على رؤيته قبل ذلك. وجاء مصر وفد أمريكى أوروبى يتبنّى طرحاً لحل أزمة سد النهضة يتمثّل فى قبول مصر بالسد كحقيقة واقعة، والتفاوض مع إثيوبيا حول عدد سنوات ملء بحيرة السد وسياسات تشغيله لمحاولة تقليل آثاره الضارة بمصر، وبحجة أنّ السد أصبح حقيقة لا يمكن تغييرها. والحقيقة أن هذا الطرح كان يردّد أثناء فترة حكم الإخوان رغم تحذيراتنا الشخصية المتكرّرة لها بأن هذا النهج خاطئ وضار بمصر وأمنها القومى. فقد قامت وزارة الرى أثناء الفترة 2012 - 2013، بتكليف خبير أمريكى يعمل أستاذاً بإحدى الجامعات الأمريكية المرموقة بتقييم هذا الطرح وتحليل نتائجه، وقد وجد أنّه إذا تم ملء السد على 25 - 30 عاماً فى فترات الجفاف أو على 15 - 20 عاماً إذا كان إيراد النهر عالياً أو متوسطاً، فإنه سيظل هناك عجز مائى فى حصة مصر السنوية فى حدود 3 - 5 مليارات متر مكعب. وهذا بالطبع إذا لم تستخدم إثيوبيا السد لأغراض الزراعة والرى. وجدير بالذكر أن إثيوبيا لن توافق على هذه الفترات الطويلة لملء السد، لأنها ستؤدى إلى عدم جدواه اقتصادياً. والمفاجأة الكبرى أنّ هذا المقترح هو نفسه صميم صلب إعلان المبادئ الذى تم توقيعه مؤخراً، لكن بعد أكثر من عام من تاريخ عرض المقترح الأمريكى علينا. وبعد انتخاب «السيسى» رئيساً للبلاد، عادت مصر تمارس دورها الريادى فى الاتحاد الأفريقى، وتم توقيع بيان مشترك بين الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الإثيوبى فى مالابو بغينيا الاستوائية ينص على مبدأ عدم الإضرار بأى من الدولتين، واحترام مبادئ القانون الدولى، والعودة إلى المباحثات الفنية الثلاثية. وظهر تيار داخلى يدعو إلى الاعتراف بالسد كأمر واقع، والتواصل مع إثيوبيا حول سنوات التخزين لتقليل جزء من الأضرار، ويتحمل الشعب بقية الآثار ونرشّد الاستخدامات ونحلى البحر ونتجنّب الصراع مع إثيوبيا. والغريب أن المسئولين أيضاً بدأوا فى ترديد نفس الفكر بشكل مباشر أو غير مباشر، حتى على مستوى وزارة الخارجية، وكنت قد كتبت مقالاً فى «الوطن»، محذراً من هذا التوجه، بعنوان «رسالة إلى وزير الخارجية المصرى». وعادت اللجنة الثلاثية للاجتماع فى أغسطس 2014 فى الخرطوم لاستكمال المباحثات التى توقفت منذ يناير من العام نفسه، وانتهى الاجتماع إلى موافقة الأطراف الثلاثة على خريطة طريق تشمل تشكيل لجنة وطنية للإشراف على استكمال دراسات السد والتوافق حول نتائجها خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، مع تكليف مكتب استشارى دولى للقيام بهذه الدراسات، والتوافق حول خبير دولى يتم الالتجاء إليه فى حالة اختلاف الدول حول تفسير النتائج. وتم الاتفاق على أنّ الدراسات المطلوبة اثنتان، الأولى لدراسة آثار سد النهضة على مصر والسودان من الناحيتين المائية والكهرومائية، والثانية لدراسة آثار السد البيئية والاقتصادية والاجتماعية على الدول الثلاث. واستمرت التصريحات الوردية بأنّ إثيوبيا وعدت مصر بعدم المساس بحصة مصر المائية، وأنها وعدت بألا تنقص زجاجة مياه واحدة من حصة مصر، وهذه اللغة هى نفسها التى تبنّتها من قبل جميع حكومات ما بعد ثورة يناير، رغم أنّ إثيوبيا سبق أن صرحت مراراً وتكراراً بأنها لا تعترف بحصة مصر المائية ولا بالاتفاقيات التاريخية الاستعمارية. وبعد الاتفاق على خارطة الطريق أكد وزير الرى المصرى فى عشرات البرامج التليفزيونية والعديد من التصريحات الصحفية أنّه نجح فى حل أزمة سد النهضة، وأنّ دراسات السد ستنتهى قبل عدة أشهر من انتهاء المرحلة الأولى من بناء السد، وأنّه سيتفاوض حول إيقاف السد عند سعة 14.5 مليار متر مكعب. وأكد سيادة الوزير أنّ نتائج دراسات السد ملزمة لجميع الأطراف. وتبين بعد ذلك أنّ الدراسات ليست ملزمة لأحد، وأنّ خريطة الطريق كانت وما زالت، جر رجل مصر للدخول فى مباحثات لن تنتهى قبل الانتهاء من بناء السد. وتلا اجتماع الخرطوم الذى تم فيه الاتفاق على خارطة الطريق، اجتماع آخر فى إثيوبيا فى سبتمبر 2014، الذى لم يتم فيه أى تقدم فى المباحثات. ثمّ فى أكتوبر 2014 كان الاجتماع الثالث للجنة فى القاهرة، وظهرت خلافات الدول الثلاث، حيث أصرّت إثيوبيا والسودان على إعطاء المكاتب الاستشارية فترة عام كامل لاستكمال دراسات السد، ورفضت مصر هذا الطلب وأصرت على التمسّك بخارطة الطريق وشهورها الستة. وتوقفت اجتماعات اللجنة الثلاثية لمدة ثلاثة أشهر كاملة حتى مرت فترة الأشهر الستة لخارطة الطريق دون إحراز أى تقدّم. ثمّ فجأة كان هناك اجتماع بين وزيرى الرى المصرى والإثيوبى فى نهاية يناير الماضى، على هامش اجتماع الاتحاد الأفريقى فى أديس أبابا، وإذ بالوزير المصرى يتراجع عن مواقفه السابقة، ويعلن من هناك موافقة مصر على مد فترة الدراسة لمدة عام كامل، ثمّ تلا ذلك التوقيع على إعلان المبادئ فى 23 مارس 2015، ثم الاجتماع الأخير فى 9 أبريل، الذى اتفق فيه الوزراء على اختيار مكتب رئيسى وآخر فرعى، فى سابقة لم نسمع عن مثلها على المستوى الدولى كثيراً، ولكنها تتسق مع ما نراه ومع سوف ما نراه فى هذه المباحثات خفيفة الظل.