انّ أحداث سد النهضة وطرق معالجتها في مصركانت ومازالت تتسم بانعدام الرؤية، والارتكاز علي ضمانات أثيوبية بعدم الاضرار بمصر ترددت كثيرا قبل أن أكتب هذا المقال، نظرا للظروف الصعبة التي تمر بها البلاد سواء من ارهاب الداخل، وارهاب متربص في الخارج، ومؤامرات سياسية واقتصادية لتهديد كيان الدولة وهدم مؤسساتها ولتحطيم معنويات الشعب وثوابته، وانشغال مصر بالانتخابات البرلمانية، وانهماكنا في الاعداد للمؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ. أحداث جسام وتحديات كبيرة تمر بها مصر، ولكن كل هذه الأحداث لم تقنعني بالتزام الصمت علي السلبيات الجسيمة في المعالجة المصرية لأزمة سد النهضة، وخاصة أنّ هذا السد يمثل في رأيي مكونا رئيسيا من مؤامرة الانقضاض علي مصر وعلي شعبها. والحقيقة أنّ سد النهضة كان ومازال منذ ثورة يناير وحتي تاريخه هو شغلي الشاغل، فرّغت له نفسي للدفاع عن الحقوق المصرية في فترة شديدة الصعوبة من تاريخ مصر اختلط فيها الحابل بالنابل، وزادت فيها فتاوي السوء، وساءت أخلاقيات الحوار. وكنت قد نشرت كتابين عن سد النهضة عامي 2012 و2013، وكتبت عشرات المقالات،وأجريت عشرات الحوارات الصحفية، وشاركت في العديد من اللقاءات الاعلامية شارحا أبعاد الأزمة من الجوانب التاريخية والسياسية والفنية، والأوراق المصريةالرابحة، ومبادرة للتعامل مع الأزمة للوصول إلي حل عادل.والمسئولون علي الجانب الآخر يصرون علي التمسك بالمسار الحالي للمباحثات، بالرغم من أنّهم يعلمون عدم جدواه وأنّه سينتهي باكتمال بناء السدالأثيوبي وتعرض البلاد والعباد إلي ما لا يحمد عقباه. انّ أحداث سد النهضة وطرق معالجتها في مصركانت ومازالت تتسم بانعدام الرؤية،والارتكاز علي ضمانات أثيوبية بعدم الاضرار بمصر، واختفي من القاموس السياسي ضمانات الدولة المصرية للحفاظ علي حقوق شعبها المائية.والتصريحات السياسية تتكرر بوتيرة واحدة منذ ثورة ينايروتتحدث عن العودة الحميدة إلي أحضان أفريقيا، وأن سد النهضة مصدر خير للجميع، وأن أثيوبيا تعهدت بعدم انقاص كوب واحد من المياه من حصتنا المائية. وبعد قيام ثورة يونيو، كنّا قد تعشمنا في تغيير حقيقي، ولكن استمر الأداء غير المهني والذي لا يعكس عمقا فنيا أو ادراكا لتاريخ الأحداث أو حتي حنكة سياسية، وانتهي الأمر في يناير 2014بفشل ذريع للمباحثات الفنية لسد النهضة، وتوقفت أعمال اللجنة الثلاثية الفنية التي تضم كلا من مصر والسودان وأثيوبيا. وبعد انتخاب الرئيس السيسي، عادت مصر تمارس دورها الريادي في الاتحاد الأفريقي وتم توقيع بيان مشترك بين الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الأثيوبي،والذي ينص علي مبدأ عدم الاضرار بأي من الدولتين، واحترام مبادئ القانون الدولي، والعودة إلي المباحثات الفنية الثلاثية. وانعقدت اللجنة الثلاثية في أغسطس الماضي، واتفقت الدول الثلاث علي خريطة طريق للانتهاء من دراسات السد والتوافق حول نتائجها خلال فترة ستة أشهر تنتهي آخر فبراير 2015. وأكدالوزير المصري المختص في عشرات البرامج التليفزيونية والعديد من التصريحات الصحفية زاعما بأنّه نجح في حل أزمة سد النهضة، وأنّ دراسات السد ستنتهي قبل عدة شهور من انتهاء المرحلة الأولي من بناء السد، وأنّه سيتفاوض حول ايقاف السد عند سعة 14.5 مليار متر مكعب.وأكد سيادة الوزيرأنّ نتائج دراسات السد ملزمة لجميع الأطراف، وأنّ الاستشاري سيقوم بتحديد السعة المثالية للسد.وتبين بعد ذلك أنّ الدراسات ليست ملزمة لأحد وأنّ تحديد سعة السد ليست ضمن هذه الدراسات، وأنّ خريطة الطريق كانت ومازالت جر رجل مصر للدخول في مباحثات لن تنتهي قبل الانتهاء من بناء السد. ثمّ توقفت فجأة المباحثات الثلاثية بعد رفض مصر المطالب الأثيوبية والسودانية بمد فترة الدراسات إلي عام.ومرت فترة الشهور الستة لخارطة الطريق بدون احراز أي تقدم،وجاء اجتماع الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الأثيوبي علي هامش قمة الاتحاد الأفريقي في 30 يناير 2015، وتلاها الزيارة التي قام بها السيد وزير الخارجية المصري لأثيوبيا، وظهر انّ السماء ملبدة بالخلافات. ولكن مازال الوزير المختص، العاشق للاعلام، يصرح يومياعن موعد استلام العطاءات واختيارات المكتب الاستشاري،ويتحدث عن جهده الكبير في تطوير العلاقات مع أثيوبيا بعد أن أفسدها سابقوه.وزير الري المصري يجيد التحدث بلسان أثيوبيا، وتفوق في ذلك علي الأثيوبيين أنفسهم،ويخشي من معارضة أثيوبياأو المطالبة بالحقوق المصرية حتي لا تنعته بالتكبّر والتعالي كما فعلت مع سابقيه.هل آن الأوان أن يكون لمصر وزيرري مؤهل فنيا وسياسيا للدفاع عن الحقوق المصرية والمصالح القومية.