نعم أنت يا قارئى العزيز.. قررت أخيراً أن أنفذ رغبة ملحة فى التحدث معك أيها الصديق الذى اقترب منى كثيراً، ربما أكثر من أناس أراهم وأتعامل معهم فى حياتى اليومية منذ سنين ببعدين فقط، بينما يسعدنى أنى منحتك بعداً ثالثاً من فكرى ومشاعرى، بعمق تجارب السنين ودروسها القاسية أحياناً، فطالما فتحت لك قلبى، وأطلعتك على بعض من تأملاته، وتحملتَ بعضاً من ثرثرتى وشطحاتى، حاولت وما زلت من خلال إطلالتى المتواضعة كل خميس أن تشاركنى أفراح وهموم وحكايات وطن، أن تحلم معى بالغد الذى سيغفر للأمس خطاياه، فأنا أشعر بوجودك، أتخيلك أمامى، أفكر فيك، رجلاً، امرأة، صغيراً، كبيراً، من جيلى، أو ربما من جيل سبقنا قليلاً، وقد رسمت تجارب السنين بعضاً من خطوطها على قسمات وجهه، مخلِّفة ذكريات ضحكات كثيرة وشجون أيضاً، ربما تقطن فى الشارع المقابل لمنزلى، أو فى بقعة بعيدة فى أقصى الأرض، فى بلاد ترى شمسنا وتعيش معاناتنا، أو فى أوطان بعيدة لا تعرف كم عنيدة هى شمس الشرق كأهلها، تتكلم بلغتنا، أم تفتقدها فى وجوه لا تشبهنا، وألسنة لا تعرف الضاد وسحرها، تلامس أناملك جريدة ورقية تجاهد الزمن والتطور حتى لا تصبح مجرد ذكرى، بها رائحة تعب واجتهاد فريق ضخم لا يستسلم للظروف ولا تستوقفه آلام الحياة، فللجريدة موعد لا يحزن لموت أو مرض، ولا تتوقف ماكيناته لإطلاق زغرودة فرح بدءاً من رئيس تحرير لا يكل، حتى ذلك الرجل البسيط يلملم ويزيل ما بقى من أفكار، وجدناها لا تليق بك فى تجارب اختيارية بالغة التعقيد، أم تعانق عيناك كلماتى عبر شاشة مضيئة تضع العالم كله بين راحتيك فى لحظات، معلنة أن للزمن معطيات جديدة. ترى هل وجدت فى كلماتى البسيطة بعضاً مما تبحث عنه، ما يعبر عن شىء ما بداخلك، مواساة لبعد تكابده، حجة لرحيل اقترفته، طبطبة على جرح لا يندمل، ابتسامة تداعب شجونك على استحياء، شوق لحبيب لم يعد، رثاء شهيد رحل فى صمت، أمل فى غد يتدلل كثيراً، باختصار هل تجد رائحة لوطن لا يموت داخلنا، حتى لو حاولنا؟ سامحنى يا صديقى الأثير فأنا لا أملك لك سوى أمل، ووعد، ورجاء. ■ أمل أن أكون طيفاً من وطن يستحق أن تحمله معك مهما ثقلت حقائب السفر، أذكرك بما لا يجب أن تنساه، أنبئك بحواديت الشوارع والبيوت، بأفراح وأطراح وجوه منا تشبهنا، أحمل لك رسالة من حبيبك ذلك الذى رحل ولم يعد، أو صديقك الذى غاب تاركاً ذكريات تتوق إليها، من أب وأم رحلا وما زلت تشتاق لحضنهما، ابن تهون الحياة من أجله، ترى فى عينيه غدك الذى لم يأت بعد، أضع بين يديك خلاصة أيام تعيشنا ونعيشها، علك تكون أقل قسوة من سابقين أحرقوا مراكب العودة والحنين. وكفروا بالوطن أمام المصلحة والحاجة، فرحلوا عنه حتى وهم يعيشون فيه أو باعوه ربما دون أن يدروا بأدراج مفتوحة فى مصالح لا تحقق المصالح، أو بصفقات تهدى الغلابة سموم العالم، أو مزادات نبيع فيها ما بقى من شرف الأجداد، لكنه يغفر دائماً وينتظرك دائماً هناك فى مرافئ التوق والرجاء، لا تبحث بعيداً ستجده فى أعماقك، محفوراً فيه سر وجودك وملامحك ببصمتك الوراثية فى خلاياك وخلجات نفسك.. كما فى (خلجاتك). ■ ووعد أن تظل دائماً فى قلبى كما فى قلب وطن، نبحث عنك معاً، نسطر لك حكاياتنا، آلامنا، رجاءنا، أحلاماً تعانق السحاب، هدفاً نتحد عليه، لعلك تلمح من بين الكلمات ما لا تستطيع كل حروف الأرض أن تقوله، فللوطن حدود لا تحويها كل خرائط العالم، إنه حالة من العشق تعجز أن تطويه رموز ونقوش تصدر بعض الأصوات. ■ ورجاء أن تكون الكلمات محطة انطلاق وليست نهاية مطاف، فلتخبرنى بتجارب إنسانية عشتها أو سمعت بها، خبرات اكتسبتها، مناهج لفكر اكتشفتها نتعلم منها ونضيف بها، فالحضارة الإنسانية تراكمية وليست حكراً على أحد، وإلا لكان للأجداد حقوق حصرية عندما أسسوا أول مدرسة تعلم فيها التاريخ. حتماً سنختلف ونتفق، فليكن كل ذلك بحب، ولنستحضر طاقة إيجابية للتغيير، فمعركتنا معركة وجود بعد أن أهدرنا كل الفرص ولم يعد هنالك اختيار. وها نحن هنا وسنظل. وأنا ووطن يبحث عنك، فى انتظار لقائك فى طيات جريدة، أو داخل أروقة عالم افتراضى لا يعرف الحدود، ربما نغير معاً عالماً مجنوناً، يبدأ تغييره بحلم أكثر جنوناً.