بدأت منذ فترة فى كتابة سيناريو وحوار مسلسل تليفزيونى حول حادث غرق العبَّارة «السلام 98»، وقد استوجب علىَّ ذلك أن أطلع على ملفات القضية بكل تفاصيلها، كما أننى حرصت على حضور معظم جلسات القضية أمام المحكمة، وهو ما جعلنى أدرك أن فى هذه القضية وملفها أوراقاً غائبة أو تم إخفاؤها لمصلحة أطراف محددة، فبعد غرق العبَّارة «السلام 98» منذ أكثر من ست سنوات والتى راح ضحية غرقها فى رحلتها بين ميناء «ضبا» السعودى وميناء «سفاجا» المصرى أكثر من ألف وثلاثين من ركابها وطاقمها.. وبعد تحقيقات من قبل النيابة الإدارية مع الموظفين المختصين عن التفتيش على سلامة السفن العاملة من الميناء وإليه.. قامت النيابة الإدارية بإحالة كل من يمت للتفتيش على سلامة السفن بصلة فى ميناء سفاجا إلى المحكمة الإدارية بتهمة التقصير فى التفتيش على سلامة وصلاحية العبَّارة التى ارتأت النيابة الإدارية أن ما كان بها من عيوب وعدم صلاحية هو ما كان سبباً فى وقوع الحادث. ومنذ أيام قرأت فى الصحف خبراً مفاده بأن المحكمة الإدارية العليا بعد أن تداولت القضية بها قرابة الست سنوات، وبعد أن قامت خلال جلساتها بفحص ملف العبَّارة وتاريخ صلاحيتها وجودتها ال«سى فى» الخاص بالعبَّارة التى كانت تقوم بنحو 200 رحلة سنوياً بين موانئ البحر الأحمر.. وبعد اطلاعها على كل ما يمت للعبارة بصلة من تقارير فحص صلاحية وأمن وسلامة فى الموانئ المختلفة وفى الهيئات الرقابية الدولية المختصة بالتفتيش على الأمن والسلامة بالنسبة للسفن، وكذلك بعد أن استمعت المحكمة خلال جلساتها لشهادة خبراء متخصصين فى النقل البحرى أصدرت حكمها النهائى فى القضية ببراءة جميع المتهمين «موظفو التفتيش على الأمن والسلامة والصلاحية بميناء سفاجا».. وجاء فى الحكم أن العبَّارة «السلام 98» كانت سليمة 100٪ ولم يكن بها أى عيوب وأن موظفى التفتيش على الأمن والسلامة فى ميناء سفاجا لم يقصّروا ولم يخطئوا فى التفتيش الدورى على العبَّارة.. وأن هيئة «دينا» الإيطالية، وهى الهيئة الدولية التابعة للأمم المتحدة والمختصة بالإشراف على سلامة السفن، قد قررت فى تقاريرها المعتمدة أن العبَّارة كانت من أفضل العبَّارات العاملة فى منطقة الشرق الأوسط، وأنه لم يكن بها أى عيوب على الإطلاق وأن أدوات النجاة بها كانت كافية لإنقاذ جميع الركاب وطاقم العبَّارة وأن سبب الحادث كان خطأ بشرياً من قبل ربَّان السفينة الذى توفى فى الحادث.. وأشارت المحكمة فى حكمها إلى ضرورة التأكد من أن الجهات والمراكز المنوط بها البحث والإنقاذ لا بد أن تمتلك المعدات والأجهزة اللازمة من قوارب وطائرات بحث ليلى وطائرات إنقاذ وأجهزة اتصال للقيام بمهامها طبقاً للمعاهدات الدولية المنظمة لهذا. كان هذا هو فحوى ومضمون حكم المحكمة الإدارية العليا الذى برأ العبَّارة المنكوبة من تهمة عدم الصلاحية وعدم السلامة حين برأ موظفى التفتيش على الأمن والسلامة بميناء سفاجا من تهمة التقصير فى التفتيش على سلامة وصلاحية العبَّارة. ومن المعلوم أن العبَّارة قد غرقت نحو الساعة الواحدة وأربعين دقيقة من صباح الجمعة الموافق 3/2/2006، وبالرغم من ثبوت تلقى مركز البحث والإنقاذ لإشارات غرق السفينة بعد غرقها بأقل من ربع ساعة، فإن عمليات البحث لم يتم البدء فيها إلا فى الحادية عشرة ظهر الجمعة.. أى بعد نحو تسع ساعات من تلقى إشارات غرق العبَّارة.. بل لم تتحرك القطع البحرية التابعة لجهات الإنقاذ إلا قرب الرابعة عصر الجمعة، أى بعد 14 ساعة من غرق السفينة، وقد أدى هذا التراخى والتقصير فى البحث والإنقاذ إلى تضاعف أعداد الضحايا. إذن نحن أمام تهمة التراخى عن الإبلاغ، والتراخى والتقصير فى الإنقاذ.. والإبلاغ هو مسئولية الجهة الحكومية التى تلقت إشارة الاستغاثة «وهى جهة تابعة لجهة سيادية معلومة للجميع».. والإنقاذ هو مسئولية جهة سيادية معلومة للجميع أيضاً.. وبعد الحادث كانت بالفعل هناك تحقيقات تجرى فى تلك الجهات حول ملابسات التراخى فى الإبلاغ، والتراخى والتقصير فى الإنقاذ.. ثم بأوامر عليا وقتها أُغلقت هذه التحقيقات وتم التكتيم على نتائجها بأوامر من قادة تلك الجهات السيادية وبأوامر رئاسية. وقد نجحت مراكز القوى، التى كانت تلك الجهات السيادية تحت قيادتها، فى إبعاد هذه الجهات عن المساءلة والمحاسبة، وبعد أن نجحت ثورة 25 يناير فى اختراق سدود منيعة كان يختبئ خلفها الفساد تحت حماية السلطة الفاسدة.. وبعد أن أصبحت جميع الجهات حتى تلك الجهات التى كانوا يحصّنونها ويطلقون عليها جهات سيادية وجهات فوق المساءلة وجهات فوق القانون.. بعد أن أصبحت هذه الجهات، بعد القضاء على مراكز القوى التى كانت تترأسها، خاضعة للمساءلة والمحاسبة فلا بد أن يُزاح الستار عن خفايا قضية العبَّارة «السلام 98» والكشف عن جهات سيادية تراخت فى الإبلاغ عن الحادث «لأسباب تتردد حولها إشاعات كثيرة»، وكذلك الكشف عن تلك الجهات التابعة لجهات سيادية أيضاً التى أهملت وتراخت وقصّرت فى عمليات الإنقاذ لفقر إمكانياتها وعدم تجهيزها التجهيزات اللازمة فى مثل تلك الظروف مما ضاعف من أعداد الضحايا. ولا بد من إعادة فتح قضية العبَّارة «السلام 98» بشفافية وشجاعة وحيادية حتى لا تتكرر المأساة ونراهم مرة أخرى يقدمون كبش فداء حتى تنجو جهات سيادية هى المسئولة مسئولية كاملة عن الإبلاغ والإنقاذ من المساءلة والمحاسبة الحتمية والواجبة. والله سبحانه وتعالى من وراء القصد.