أبواب حديدية يأكلها الصدأ، وزجاج مهشّم فى جميع الأنحاء، وأرضية تفترشها قمامة قديمة تعرفها من أوراق «البسكويت» لشركات عفا عليها الزمن، وواجهة تبدو كالمحترقة لا تدل على ماهيتها.. هكذا تبدو سينما «بلازا» بالإسكندرية بعد إغلاقها منذ أكثر من 16 عاماً. على بُعد 15 متراً هى عرض شارع فؤاد، أقدم شوارع العالم، يقف نوبار إدوارد أمام متجره لبيع الأحذية، عاقداً يديه خلف ظهره، متابعاً المارة ونظرات استنكارهم لهيكل المبنى القصير الذى يشبه بيوت الأشباح من ظلام منتشر، وزجاج مهشّم وأعمدة تبدو محترقة من الداخل ولافتات باهتة يغطيها الغبار، تحول بينك وبين ما كانت تعلن عنه منذ عشرات السنين. «بلازا كانت سينما كبيرة، وناس كتير كانت بتيجى علشان الفن والسيما والأفلام، أنا زعلان لأنه مش شغال».. بلهجة الخواجة يصف «إدوارد» ما كانت عليه سينما «بلازا» قبل أن يتم إغلاقها وتتحول إلى مكان مهجور، لا يُستبعد أن تسكنها الأشباح، مشيراً إلى أن سينما «بلازا» كانت متخصصة فى عرض الأفلام الأجنبية، أشهرها كانت أفلام الكوميدى الفرنسى «فرنانديل»، فى حين سينما «فؤاد» التى يُطلق عليها «رمسيس» كانت تعرض الأفلام العربية، لكنهما أغلقتا منذ أكثر من 15 عاماً، مضيفاً أنه لم يعرف سبب إغلاقهما، وأن المظهر الحضارى تشوه بسبب الصورة الخارجية لهيكل سينما «بلازا»، وأن سينما رمسيس تحوّلت إلى قاعة أفراح أفقدت الشارع الذى يُعد أقدم شوارع العالم، محطتين فنيتين كان يجب الحفاظ عليهما بدلاً من هدمهما أو تغيير نشاطهما. من ناحية أخرى، يستنكر وهيب بخيت، أحد العاملين فى أحد المحال المقابلة لمبنى «بلازا» المهجور، ما يضمّه من حيوانات وحشرات وأطفال شوارع يتسلقون إلى الداخل فى أحيان كثيرة، مطالباً بتطهير المكان حتى لا يُعد مخبأً يضم المشبوهين ومخزناً لمتعلقاتهم. لم يختلف الحال بالنسبة إلى مسرح «كوتة» بحى الأزاريطة، بعد أن تم إغلاقه قبل نحو 20 عاماً وتحوله إلى جراج كبير وموقف للسيارات، فمساحته الشاسعة عدّدت من أغراض استغلاله ما بين معارض موسمية لبيع الملابس الجاهزة والأغذية، وبين تخصيصه لركن السيارات بالساعة. فى داخل «كشك» مقابل لمسرح «كوتة» أو جراج «كوتة»، يقبع محمد حمدى، 62 عاماً، من أبناء حى الأزاريطة، وأحد أشهر زوار مسرح «كوتة» حينما كان يعتلى خشبة مسرحه فنانون كبار ونجوم الزمن الجميل: «مسرح كوتة ياما جه عليه نجوم، فؤاد المهندس وسمير غانم وعادل إمام، وكان شغّال طول السنة صيف وشتا»، ينتقد «محمد» ما وصل إليه المسرح من أحوال غير سارة، حيث أصبح مكاناً مظلماً كئيباً -على حد قوله- تركن فيه السيارات بالساعة وباليوم، مشيراً إلى سوء استخدامه حتى بعد وقف العمل الفنى وإغلاقه. وقال سعيد سليمان، 70 سنة، مالك إحدى المكتبات المقابلة للمسرح، إن إغلاق المسرح أثّر بالسلب على المنطقة وأفقدها الصفة السياحية، مشيراً إلى أن المحافظة أهملت المسرح الذى جعل المنطقة تعج بالسياح والمصيفين كل عام، وحوّلته إلى جراج بعد أن كان مزاراً فنياً يضم ملاهى ومتنزهات تخدم الوافدين إلى الإسكندرية، مرجعاً السبب فى إغلاقه إلى اندثار المسرح وانحطاط الأعمال الفنية، قائلاً: «لو الفيلم مافيهوش عنف وجنس ومخدرات، الفيلم ما ينجحش، ده غير أن المسرحيات اختفت أصلاً بعد ما اتقفلت المسارح الكبيرة دى».