على ارتفاع 15 متراً من الأرض، ومنذ 10 سنوات كانت عشرات المصابيح الصغيرة تتراص إلى جانب بعضها، لترسم اسمها وتطلق أشعة ضوئها الممزوج بألوان مختلفة فى كل الأنحاء لتنبيه مريديها إليها.. اللوحة الضوئية تحوّلت إلى هيكل مظلم، أعلى بناية طالتها الأتربة والدخان بألوان قاتمة، وزجاج مهشم على نوافذها الصغيرة الكثيرة، ومدخل يعجّ بالرسومات والإعلانات الحزبية لنواب شعب سابقين. بمرور الزمن تحولت سينما «الزيتون» من محطة سينمائية تقدم أقوى وأقدم الأفلام والعروض، إلى بناية مهجورة تطل على شريط مترو الأنفاق، لا يفصلها عن القضبان سوى بضعة أمتار، ومنحدر كوبرى يحول بين طوابير الزبائن التى كانت تتكدس على بوابتها، ومجمع مدارس بُنى بالقرب منها ليمدها بفئة جديدة من الزبائن الصغار اعتادوا الهروب من المدرسة لدخولها، بعد أن كانت تستقبل «الباشاوات والخواجات». عدد قليل من المحال التجارية الملحقة بمبنى السينما، اثنان منها مملوكان لرجل ولع بالفن ورزق بسببه، وبكى عليه، فمنذ ميلاده عام 1949 وجد نفسه أمام محطة فنية يتوافد عليها الناس من كل حدب وصوب: «كان فيه كازينو كان بيقعد فيه باشاوات البلد وخواجاتها بعد ما يخرجوا من الحفلة، وياما جه فنانين حضروا فيها حفلات»، يروى الحاج محمود إبراهيم أحد أبناء منطقة الزيتون، ما كانت عليه سينما الزيتون فى خمسينات القرن الماضى، مشيراً إلى أن قربها من سراى الملك فاروق وحاشيته جعل منها مقصداً طيباً لأبناء الطبقات الراقية، لكن بمرور الزمن وتغيّر الخريطة الجغرافية من هدم لقصور الباشاوات وبناء أبراج سكنية محلها، وتوافد الكثير من الناس، وبناء منزل كوبرى أمام بوابة السينما، علاوة على تدهور ماكينات العرض، ثم إغلاق السينما وتحويلها إلى مكان مهجور. يضيف الرجل الستينى، أن السينما مرت بظروف عصيبة كثيرة وظلت صامدة، وحافظت على موقعها بين السينمات، وأنه تم تأميمها وقت حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ولكن الرئيس السادات أعادها إلى أصحابها، وظلت تعمل بقوة وحافظت على مكانتها، وكان يحضر فيها عدد كبير من النجوم، بينهم أحمد زكى وفؤاد المهندس، لكن أزمات مالية متكررة وخسارات وقعت نتيجة انخفاض الأرباح أسفرت عن توقف نشاطها وإعلان مالكها نيته البيع. يضيف عماد محمود، 34 سنة، مالك مطعم ملحق ببناية السينما، أن الآونة الأخيرة جلبت للسينما الكثير من المشاجرات نتيجة ضعف إمكانيتها ورُخص ثمنها، مما أدى إلى توافد أعداد كثيرة من التلاميذ وطلاب المدارس وتشاجرهم أمام السينما، وأن مكانتها انحدرت منذ أن تعطلت ماكينتها وتم بناء سينمات أخرى بالقرب منها دون أى اهتمام أو تطوير فى عرضها، مستنكراً إغلاق سينما تبلغ مساحتها 850 متراً بعدد أكثر من 2000 مقعد، شهدت حضور كبار الفنانين وكانت مقصداً لفئة كبيرة من أولاد الذوات، لافتاً إلى أنها كانت تحمل اسم الملك فاروق، نتيجة توافد حاشيته عليها منذ سنواتها الأولى، والاعتياد على قضاء أوقاتهم فى الكازينو الملحق بها. على الجانب الآخر من شريط المترو، يجلس محمد حسين، 50 عاماً، على مقعده الخشبى داخل مقهى أسفل بناية تحتفظ بالطراز الشرقى، والزخرفة القديمة على واجهتها وشرفاتها العريضة، راوياً ما شهده وسمعه عن المنطقة التى برقت فيها سينما الزيتون، «كان الملك بيجى بالعربية بتاعته ومن غير حرس، والناس تجرى تسلم عليه قدّام السيما»، مضيفاً أن السينما أضفت على المنطقة شهرة وسمعة جيدة لما كانت تستقبله من زوار من حاشية الملك، والقصور المحيطة، موضحاً أن القصور والفيلل كانت «مبدورة» فى محيط قصر الملك. يضيف «حسين»: «والدى كان يدخل الحفلة ويخرج مع أصحابه وبعدها يروحوا ياكلوا من فاكهة قصر الملك»، مشيراً إلى أن قصر القبة كان من دون سور محاط به فى الخمسينات، وتم بناؤه فى عهد جمال عبدالناصر، وأن زوار السينما كانوا يستمتعون بالتجول فى محيط القصر، قبل وبعد حفلات السينما، منتقداً إغلاقها والأثر السلبى على الحركة التجارية فى المنطقة، مطالباً باستغلالها، إما بهدمها والاستفادة من مساحتها وإما بإحيائها والحفاظ على واحدة من أقدم سينمات القاهرة.