لديه القدرة على الطيران عالياً لمسافات طويلة، يتميز ببصيرة حادة، كبرياؤه تفوق كل بنى نوعه، يبنى منزله فى أعلى قمة يراها.. ربما كانت تلك بعض من الخصال التى جعلت حمدين صباحى يختار «النسر» رمزاً له، فهو يعلم علم اليقين أن النسر يعيش ويعمر طويلاً، وهو ما تمناه لنفسه فى ذاكرة المصريين منذ أن بدأ حياته معارضاً حتى صار مرشحاً لرئاسة مصر لمرتين متتاليتين، ربما اختلف البعض على بعض مواقف المناضل السياسى، لكنهم اتفقوا جميعاً على وطنيته وحبه الجارف لبلده ولبسطائه منذ نعومة أظافره، فلم تكن المعركة الانتخابية التى خاضها صباحى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة الأولى من نوعها، فقد تعوّد المناضل المخضرم الدخول فى معارك سياسية، لم يكن همه الأول والأخير فيها إلا الدفاع عن الحريات وحقوق الفقراء. وُلد حمدين صباحى عام 1954، وهو من أبناء محافظة كفر الشيخ، والده كان فلاحاً بسيطاً يعمل فى الأرض، أورث ابنه حب البسطاء، ما جعل الابن يتشبع بتلك الروح، فيعايش هموم مَن حوله ومشاكلهم وأحلامهم، فى وقت كان يحكم البلاد رئيس بسيط هو الآخر، عرفه الناس باسم جمال عبدالناصر. نشأ حمدين فى قرية صغيرة بمركز البرلس، درس فى مدارسها، وعندما كان طالباً فى مدرسة الشهيد جلال الدين الدسوقى قام بتأسيس رابطة الطلاب الناصريين، وانتُخب بعد ذلك رئيساً لاتحاد طلاب مدرسة بلطيم الثانوية، ثم ترك القرية والمحافظة كلها للقاهرة ليلتحق بكلية الإعلام جامعة القاهرة، هناك عرف الطريق للتظاهرات التى كان الطلبة يشعلونها منذ أوائل السبعينات، يحثون فيها الرئيس السادات على محاربة إسرائيل، وتحرير سيناء. لمع الطالب الريفى فى المدينة، انتخبه زملاؤه رئيساً لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، ونائباً لرئيس الاتحاد العام لطلاب مصر، ولم تكن التظاهرات التى شارك فيها حمدين والكتابات المعارضة التى كانت تُنشر فى جريدة الطلاب التى كان يرأس تحريرها طريقته الوحيدة فى المعارضة، ولكن الجميع يتذكرون له المناظرة التى وقف فيها وجهاً لوجه مع الرئيس الراحل أنور السادات، حينما عارضه على الملأ، وانتقد سياساته، وكان نتيجة ذلك أن كان من أوائل المعتقلين المعارضين للسادات فى حملة الاعتقالات الشهيرة فى سبتمبر 1981، ضمن مجموعة كبيرة من السياسيين والكتّاب، وكان هو أصغرهم سناً. لم تتغير مواقف حمدين السياسية فى عهد الرئيس محمد حسنى مبارك، وهذا ما جعله يعود إلى السجن معتقلاً سياسياً إثر خروجه فى تظاهرات غاضبة انتفض فيها الشعب المصرى ضد الحرب على العراق فى مارس 2003. وبعيداً عن المظاهرات ساهم حمدين فى تأسيس روابط وحركات للدفاع عن العمال والفلاحين ودعم المقاومة العربية، تلتها اعتقالات أخرى كان يقابلها بمقولة «اللى قلبه حر بيفضل حر حتى لو ورا الزنازين». ترأس «صباحى» تحرير جريدة الكرامة، وتقدم بطلب لتأسيس حزب يحمل نفس الاسم عام 1999، لكن طلبه قوبل بالرفض، ولم يحصل الحزب على شرعيته إلا بعد ثورة يناير 2011. كان لشعبية «حمدين» الجارفة، خاصة بين أبناء بلده بلطيم، دور كبير فى أن يصبح عضواً بمجلس الشعب عام 2000، ولم يختلف أداؤه داخل المجلس، فكان من أبرز النواب الذين اشتهروا بتقديم استجوابات ضد أداء الحكومة، ولم يقف عند هذا الحد ولكنه عارض فكرة التوريث فى مصر، وكان من أوائل من شاركوا فى ثورة يناير 2011، بل وشاهده ملايين المصريين عبر شاشات التلفاز وهو يخترق الحاجز الأمنى الذى وضعته قوات الشرطة لمنع المتظاهرين من دخول ميدان التحرير. سطع نجم «النسر» عالياً بعد ثورة يناير، حين تقدم للانتخابات الرئاسية عام 2012، ولكنه حصل على المركز الثالث فى سباق ضم 13 مرشحاً للرئاسة، ليعود إلى صفوف المعارضة كمهاجم شرس لسياسات الرئيس المعزول مرسى. عاد «صباحى» مرة أخرى ليخوض السباق الرئاسى، ولكن هذه المرة أمام مرشح واحد فقط وهو المشير عبدالفتاح السيسى، وبرغم شعبية الأخير الجارفة التى حصل عليها بعد مساندة الجيش لثورة المصريين ضد حكم الإخوان، فإن «صباحى» قَبِل التحدى وقرر الصمود أمام الهجمات الشرسة التى تعرض لها، والتى أخذت تقلل من قدرته على المنافسة تارة، وتتهمه بالاشتراك فيما سمته «مسرحية الانتخابات الرئاسية» تارة أخرى، واستطاع «النسر» أن يخطف قلوب الكثيرين من الشباب الذين رأوا فيه أملاً لمستقبل مصر حتى أطلقوا عليه لقب «واحد مننا»، وقبل أن ينتهى فرز أصوات الناخبين ارتفعت بعض الأصوات مطالبة «النسر» بالانسحاب من السباق الرئاسى، لكنه آثر استكمال المعركة حتى آخر نفس.