هل ينهى الدين الإسلامى عن المعارضة؟ البعض يروج لهذا عن جهل وسوء نية بهدف النيل من المعارضة وإدخالهم فى دائرة الكفر والعصيان، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد تحاور مع إبليس الذى رفض السجود لآدم وعلل رفضه بأنه خلق من نار وخلق آدم من طين فلا يجوز وهو صاحب المرتبة الأعلى أن يسجد لمن هو أقل منه وعصى الأمر الإلهى له بالسجود، وحين طلب إبليس من الله سبحانه وتعالى أن يمهله حتى يوم القيامة فإن ربنا رب العالمين لم يسجن إبليس أو يعذبه أو ينهى حياته فوراً أو يجعله عدماً جزاء له على معارضته بل أمهله إلى يوم يبعثون. ومع أنه لا وجه للقياس بين المعارضين والحكام وبين واقعة عدم السجود لآدم إلا أن عدم السجود كان نوعاًَ من الاعتراض والمعارضة للأمر الإلهى؛ فالواقعة فى حد ذاتها درس إلهى للبشر. وفى القرآن الكريم: «وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ» وهل تكون المجادلة إلا فى أحوال المعارضة؟ وفى عهد رسولنا الكريم والصحابة الأجلاء كانت المعارضة؛ حيث كان الصحابة يسألون الرسول فى بعض الأمور المتعلقة بشئون حياتهم، وكثيراً ما كان يتفق الصحابة ويختلفون ويعارضون دون حرج أو تردد فى معارضتهم للرسول، وهذا التوجه شهدته غزوة بدر عندما طالب الصحابة الرسول بتغيير قراره فى منزل الجيش الذى سيلاقى قريشاً وقد غيره الرسول فعلاً. وبعد المعركة خالف عمر بن الخطاب الرسول فيما يتعلق بأسرى قريش.. وامتدت معارضة الصحابة للرسول فى غزوة الخندق عندما عارض الأنصار قيام الرسول بتوقيع معاهدة مع حلفاء قريش كى ينصرفوا عن المدينة المحاصرة، إلا أن الأنصار لم يوافقوا على المعاهدة فنزل الرسول عن رأيه وعدل عن المعاهدة وقام عليه السلام إلى صحيفة المعاهدة ومحاها (د. محمد عمارة فى كتابه «الإسلام حقوق وواجبات»). لقد كانت فى الإسلام مشروعية للمعارضة، وكانت معارضة ذات صبغة سياسية ولم تكن مجرد معارضة لحاكم، لقد كانت فى مواجهة النبى الأعظم. وبعد وفاة الرسول وانتقاله إلى رحاب ربه ظهرت معارضة قوية متمثلة فى الأنصار ورفضهم مبايعة أبى بكر التى شهدتها سقيفة بنى ساعدة، بل كان على -رضى الله عنه- غير موافق على مبايعة أبى بكر خليفة للمسلمين فى أول الأمر وتقديراً منه للشيخ الجليل قبل على بخلافة أبى بكر وإن كان دون رضاء تام. وحين تمت البيعة للخليفة عمر بن الخطاب، الخليفة العادل، كانت الرعية تعارض وهو يتقبل المعارضة ولا أدل على ذلك من معارضة امرأة له فى شأن المهور فأخذ برأيها وقال قولته الشهيرة: «أصابت امرأة وأخطأ عمر». وحين بويع على -رضوان الله عليه- كان له معارضون، سواء أكانوا معترضين على ولايته أصلاً أم مخالفين له فى الرأى كما حدث فى واقعة التحكيم بينه وبين معاوية بن أبى سفيان. وقد شهدت المرحلة الأولى من حكم الأمويين معارضة قوية من جانب الحسين بن على حفيد الرسول الذى وقف رافضاً للظلم والفساد، وكان ذلك تجسيداً لموقف الشرع الإسلامى فى اتجاه الحاكم الظالم ومعارضة للممارسات الظالمة الناتجة عن الانفراد بالحكم، فإذا كان هذا هو حال المعارضة فى بداية الحكم الإسلامى فكيف وبعد مرور أكثر من ألف وأربعمائة عام نسمع أصواتاً تنهى عن المعارضة وبل وتكفر المعارضين وتهدر دماءهم ويُنعتون بأنهم صراصير النكسة ويدعون إلى قهرهم واحتقارهم وسحقهم بالأحذية؟! فكل طرف يدّعى المثالية، والسبب فى ذلك إضفاء الصبغة الدينية على جوهر الصراع السياسى، لدرجة أن أصبحت القضية تتعلق بالعقيدة وأصبحت القضية إما كفراً وإما إيماناً، وهو ما سيؤدى بنا إلى التهلكة، فاتقوا الله فى دينكم وفى وطنكم.