في ساعة متأخرة من إحدى ليالي هذا الشتاء البارد دخل الرئيس السابق محمد مرسي إلى زنزانته عائدا من مكتب المأمور، توجه نحو سريره المنزوي في أحد أركان زنزانته وألقى بجسده في منتصفه، ثم تدثر بغطائه بعناية.. وبصوت واهن خفيض.. طلب من حارسه أن يجلب له كوبا من الشاي. نظر الرئيس السابق إلى أعلى، ثم جال بعينيه في أرجاء المكان وكأنه يتابع شيئا ما يحلق في الهواء، ثم تمتم بكلمات لا تنم إلا عن ضجر شديد يعتريه. استقرت عيناه على الجدار المقابل لوجهته، وكأنه يحدق في أفق لا نهائي، وبعد مرور وقت ليس بقصير غادرت عيناه هذا الجدار في بطء وكأنها تحاول أن تنفرد بقرار الخلود إلى النوم. أعلن الرئيس السابق عن يقظته عندما ابتلعت رئتاه قسطاً لا بأس به من الهواء، ثم أخرجته في زفرة يملؤها الأنين، وكأنها خرجت من بين ضلوعه، إلا أن ملامحه لم تعبر عن أن هذه الزفرة قد أفلحت في إخراج بعض مما يحيك في صدره. التفت في رتابة نحو المنضده الموجودة بجوار سريره ، أخرج يده من بين ثنايا غطائه ثم التقط كوب الشاي الذي أحضره له الحارس ، أخذ رشفة تردد صدى صوتها في أرجاء المكان ، ثم احتوى الكوب بكلتا يديه لعل الدفء يتسرب منهما إلى باقي جسده. خلع نظارته ووضعها على المساحة الشاغرة من وسادته، ثم مسح وجهه ببقايا الدفء الذي طبعه كوب الشاي على يده ، ثم عادت عيناه إلى قبلتها الأولى ولازمت الجدار المقابل لوجهته. بين الحين والحين كانت تخرج منه تنهيدة قصيرة تشبه الأنين المكتوم، ثم يتبعها بهمهمات وبعض الجمل غير واضحة وكأنه يحادث أشخاصاً قد استدعاهم من مخيلته ليمثلوا بين يديه. فرغ من كوب الشاى وظلت يديه تحتويانه خوفا من تسرب الدفئ الذى اكتسبه من هذا الكوب الى خارج جسده.. ثم سكنت كل جوارحه إلا أنفاسه و نبضات قلبه. ودون أية مقدمات .. اعتدل الرئيس السابق في همة وجلس فى موضعه .. ثم وضع الكوب على المنضدة وكأنه سقط من بين أصابعه ، فارتطم بها بشدة فأحدث صوتا عاليا نبه الحارس من غفوته فهرول إلى مصدر الصوت لاستطلاع الأمر ثم عاد ولم يعقب. أخرج الرئيس قدميه من تحت غطائه غير عابئ ببرودة المكان، ثم وضعهما على الأرض ، وأخذ يتحسس بهما موضع نعليه ، ثم نهض وتوجه ناحية الحائط المثبت به زر المصباح ، ثم عاد وتوجه نحو كومة كتبه وأخذ يقلب فيها حتى عثر على ورقة بيضاء فارغة ، سحبها بإحدى يديه وأزاح بالأخرى هذه الكومة ثم بسط ورقته على المساحة التى خلت من المنضدة .. فى هذه الأثناء كان الحارس يتجول خارج الزنازين حتى لا ينتصر عليه النوم ، فوجد ضوءاً يتسرب من باب زنزانة الرئيس المعزول ، فاقترب منها ونظر من الفتحة الصغيرة الموجودة بالثلث الأخير من الباب ، ثم غادر المكان وتابع سيره. تحسس الرئيس سترته، ثم أخرج منها قلمه، وعندما شرع في الكتابة، تراجع ثم ألقى بقلمه على المنضدة وأخذ يتحسس سترته مرة أخرى وتساءل بصوت خفيض.. أين نظارتي، فتذكر والتفت ثم التقطها من فوق وسادته. بسم الله الرحمن الرحيم.. هكذا استهل ما سيكتب. إلى شعب مصر العظيم.. هذا هو عنوان رسالته. أنا المواطن محمد محمد مرسي عيسى العياط، من مواليد المحافظة التي أنجبت الكثير من العظماء الذين ناضلوا من أجل رفعة هذا الوطن وعلى رأسهم الزعيم الراحل سعد زغلول. ولدت في أسرة مصرية بسيطة، كافحت وتعلمت حتى حصلت على درجة الدكتوراه، كنت متفانيا في عملي، باراً بوالداي، مخلصا لأسرتي، قريباً من ربي، تشرفت بالانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين في وقت مبكر من حياتي، أخلصت لهذه الجماعة، عاهدت قادتها على السمع والطاعة، بذلت من جهدي ومالي الكثير في سبيل تحقيق أهدافها، سعيت إلى نصرة الحق عندما كنت عضواً في مجلس الشعب ممثلاً لها، عملت في السر امتثالا لعقيدة الجماعة، اعتقلت مراراً، ولكني كنت أعود لأمارس نفس الأفعال لقناعتي بسمو الرسالة التي تتبناها جماعتي. أتحدث إليكم بعد ما فتشت في ضميري، وأجريت مراجعات لأفكاري، فتأكد لي أن هذه الجماعة كانت تستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة ويشهد على ذلك تاريخها القديم، فهذه الجماعة لا يهمها إلا الوصول إلى كرسي الحكم لتنفيذ مشروع الخلافة الذي أظنه الآن وهمياً، ورأيتم بأعينكم نماذج كثيرة من أفعال هذه الجماعة خلال الثلاث سنوات الماضية. في البداية، وعندما تم الإعلان عن فوزي بمقعد رئيس الجمهورية شعرت بضخامة حجم المسؤولية الملقاة على عاتقي، ولكن مع مرور الأيام تضاءل هذا الإحساس أمام تنامي حجم التوجيهات التي كنت أتلقاها من مكتب الإرشاد، وهذا ما خفض من توتري وإحساسي بعظم الأمر لتأكدي أن القرار وتحديد مصير هذا الشعب ليس بيدي. كذبت كثيراً، وعدت وأخلفت على غير عادتي، سعيت بكل الطرق لتنفيذ رغبة الجماعة في التمكين، ولكي أصرف نظركم عن ذلك، أطلقت الكثير من الوعود ولكن لم أستطع أن أنفذ منها غير ما أملته على جماعتي ما أدى الى إرباك المشهد وظهوري أمامكم على أنني كاذب، وأسجل أمامكم أني ما كنت يوما كاذباً، ولكن قسمي أمام الجماعة على السمع والطاعة هو ما دفعني لأن أعلى كلمة الجماعة فوق كلمة الشعب. بعد إصداري للإعلان الدستوري المشؤوم والذي أملاه عليّ مكتب الإرشاد، أصبحت حائراً ما بين مطالب الشارع الملحة وبين إملاءات مكتب الإرشاد، ولذلك وكما رأيتموني كنت كثيراً ما أردد مقولة (أنا رئيس الجمهورية) لأثبت لنفسي ولكم أني صاحب القرار، ولكن دون جدوى، فقد سبق السيف العزل، وقسم هذا الإعلان المشؤوم البلاد إلى فصيل، أمام شعب بأكمله. وكي لا أطيل عليكم كعادتي.. أتوجه إليكم بهذه الرسالة: أنا المواطن محمد محمد مرسي عيسى العياط.. أعترف أمام الله وأمامكم، بصحة ما ورد بصحائف اتهامي وأفراد جماعتي ولا أنكره، وأن كل ما حدث كان بهدف تنفيذ مشروع الخلافة، ولذلك وضعت الجماعة يدها في يد العديد من القوى المعادية للبلاد، فاستثمرت هذه القوى هذا التحالف لتدمير الوطن، كما أعترف بأنني وجماعتي قررنا التنازل عن أشياء تمس السيادة الوطنية مقابل المساعدة في عملية التمكين. وأخيراً.. أعترف أمام الله وأمامكم.. أني بريء من هذه الجماعة، وبريء من كل أفعالها، فغداً سأمثل أمام القضاء ليقتص مني ومن هذه الجماعة، وأؤكد لكم أنني غير عابئ بالعقوبة التي ستوقع عليّ، ولكن كل ما يهمني هو أن تسامحوني... وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء. المواطن العائد إلى رشده ومصريته محمد محمد مرسي عيسى العياط.